هبت ريح شهر رمضان المعظم الحافل بالطاعات والمفعم بالقربات، شهر التوبة والغفران والاحسان، هو الشهر الكريم الذي خصه الله بتنزيل الرحمات والبركات فتفتح فيه ابواب السماء، وتغلق فيه ابواب الجحيم، تعم فيه البركة ارجاء العالم وتنشر في النفوس روح التسامح والالفة والمحبة والرحمة، فقد تسارعت الايام والليالي من حولنا وها نحن نستقبله من جديد بفرحة العازمين على نية اجره وفضله.
شهر رمضان فرصة عظيمة لنا كمسلمين لنغير ما بأنفسنا وأحوالنا لننعم برضا خالقنا ونفوز بخير الدنيا والاخرة، وهو فرصة لتصبح الاسرة اكثر تلاحما وترابطا بما فيها المجتمع بأكمله بل العالم الاسلامي كافة، وعليه يجب علينا تحفيز النفس ومضاعفة دورها في العمل الصالح..
وان نواظب على صلة الرحم لما لها من اجر عظيم حيث ينبغي على المسلم ان لا يقصر في مواسم الطاعات وان يكون من السباقين اليها ومن المتنافسين فيها, اذ قال الله تعالى »وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ « فلا يمكن لأحد ان يستفيد من الفرص المتاحة له إلا اذا كان مستعدا لها..
وشهر رمضان اعظم فرصة للمؤمنين لكسب الحسنات بل ومضاعفتها، فاغتنام موسم الخيرات غنيمة يهبها الله لمن رضي عليه من خلقه، فعلى المسلم ان ينوي قبل اقبال هذا الشهر الفضيل بأن يغتنم كل ساعة من ساعاته وكل لحظة من لحظاته في العبادة والعمل الصالح، والله مطلع على النوايا ويعطي العبد قدر صدقه.
ولنكثر من الدعاء لأن الامور كلها بيد الله سبحانه وتعالى والتوفيق من عنده فلنطرق باب الكريم قبل دخول الشهر وبعد دخوله وفي كل ساعة وعند كل لحظة .
فصيام شهر رمضان يحيي القلب ويزهد في الدنيا ويذكر الاغنياء بالمساكين وأحوالهم فتحصل حالة من العطف والشكر كما انه يزكي النفس ويقويها على تقوى الله .
ان اليوم الواحد من شهر رمضان هو فرصة كبيرة للتقرب الى الله عز وجل بأنواع من الطاعات والعبادات فيكون الاجر اعظم والثواب اكبر، ومن اجل تحقيق تلك الغاية يجب على الاسرة ان تضع برنامجا يوميا يشتمل على اعمال ايمانية واخرى سلوكية عملية تتناسب مع طموحات الاشخاص وآمالهم في شهر رمضان الكريم .
فالأعمال الايمانية تتفرع الى قسمين: أعمال فردية يقوم بها الشخص منفردا، وأعمال جماعية بحيث يتعاون جميع افراد الاسرة لإنجازها، اما الاعمال الايمانية الفردية فتكمن في جعل فترة زمنية اثناء اليوم للتدبر في مخلوقات الله فالتدبر يزيد القلب ايمانا بقدرة خالقه وهذه الفترة تختلف من شخص لأخر حسب اختلاف الظروف والاحوال كل بحسب حاله.
كذلك جعل فترة لقراءة القرآن الكريم ولذكر الرحمن، والمحافظة على الصلاة في وقتها وهذا العمل من احب الاعمال الى الله، وجعل وقت في اخر الليل لأداء بعض الركعات للتضرع الى الله.
أما الاعمال الجماعية فكل ما سبق ذكره يمكن القيام به بصورة جماعية كما يمكن ان تتجلى هذه الاعمال في الاجتماع على مائدة السحور والافطار ففيه تدريب علي الكثير من اخلاق الاسلام مثل التعاون في وضع الطعام ورفعه والتسامر حوله..
وزرع الحب وصفاء القلوب والرضا بالموجود والتسمية وحمد الله وتذكر الفقراء والتوسط والاعتدال والمحافظة على المواعيد، ويستحسن ان يجلس رب الاسرة مع افرادها اناثاً وذكوراً في جلسة ودية حوارية لأخذ الآراء والمقترحات فهذا الحوار يشجع على العمل برغبة دون اكراه .
والاعمال السلوكية، فيقصد بها استغلال قوة الايمان والارادة في التمسك ببعض الاخلاق الاسلامية الاساسية وغض البصر عما حرم الله وحفظ اللسان عن الغيبة والنميمة والسخرية والكذب، وما شابه ذلك، والوفاء بالوعد لما له من حفظ للأوقات والجهود وتحسين العلاقات ..
وكذلك المشاركة في خدمة المجتمع كتوزيع بعض الاحتياجات للفقراء او اطعامهم او توزيع الزكوات او استضافة الاقارب والجيران والاصحاب او زيارتهم او مهاداتهم..
فكل هذه الامور تزيد من الالفة والترابط وتنشر تعاليم الاسلام السمحة، والحرص على اصطحاب الابناء لأداء صلاة التراويح، كما يجب ان نتجنب السهر وننام مبكرا حتى نستطيع الاستيقاظ للسحور، فالسحور بركة والملائكة تصلي على المتسحرين، كما ان تأخيره يقوي على الصيام ويضمن صلاة الفجر.
وعلينا تشجيع ابنائنا على الصيام بإعطائهم مكافآت على ما ينجزونه خلال شهر رمضان من صيام أو قرآن او سلوك حسن تحلو به، وهذه الاعمال يجب ان تستمر الى ما بعد شهر رمضان اي طيلة السنة، فالمكاسب التعبدية والتعاملية التي حققناها في رمضان ينبغي ان نتابعها الى نهاية العام وان يكون كل شهر بعد رمضان كرمضان، فالله سبحانه وتعالى معنا في كل الاشهر والاعوام وأحب الاعمال الى الله أدومها .
نسأل الله عز وجل ان يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال ويعيننا على طاعته ورضاه .
جزاكم الله خير