لم يكن المغفور له بإذن الله الملك عبد الله بن عبد العزيز رجلاً عادياً، ولا كان ملكاً اعتيادياً في قائمة ملوك، بل كان رجلاً استثنائياً في مرحلة استثنائية، ولكنه قبل ذلك وبعده كان لنا في دولة الإمارات العربية المتحدة أخاً استثنائياً حرص كل الحرص على تمتين العلاقات الثنائية وإبعادها عن مواطن الضعف والخلاف، لا قدر الله، إلى مواطن الألفة والتحالف والأخوة الصادقة.
كانت الإمارات ولا تزال مع شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية في كل منعطف، واليوم حين ترثي الإمارات رحيل الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز فإنما لكي تعبر عن حقيقة مهمة، وهي أن المصاب الجلل واحد والحزن العميق واحد، وكما شاركتنا السعودية ألمنا برحيل الأب المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان طبيعياً أن نكون معهم في وداع المغفور له بإذن الله الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسلفه الصالح الملك فهد، رحمهما الله..
ليس من باب رد الجميل، لا قدر الله، فالمصاب حين يكون واحداً لا مجال فيه للجمائل، إنما لأن لنا كإماراتيين حصة في عبد الله بن عبد العزيز تماماً مثلما للسعوديين حصة فيه، ومثلما كانت لهم حصة معنا في زايد الخير، عليهما رحمة الله تعالى.
ولعل حكاية عبد الله بن عبد العزيز مع الإمارات حكاية لا تنسى، عطرتها مآثر الرجل ومكارم أخلاقه، فقد تلاقت إرادته رحمه الله مع إرادة قادة الإمارات على بناء جسر مفتوح من التآخي الثنائي الذي ذلل العقبات وتجاوز تنوع الآراء، سواء على صعيد العلاقة الثنائية المباشرة بين البلدين التوأم، أو ضمن منظومة العمل الخليجي المتكامل.
وكانت رعايته رحمه الله لملف التصافي الخليجي في ديسمبر الماضي خير شاهد على ذلك، حيث أدت حكمته وبعد نظره إلى تجاوز واحدة من أعقد لحظات العلاقات البينية الخليجية، لكنه أدارها بحكمة ربان خبير وماهر، فخرج منها الخليج الواحد أكثر وحدة وأقوى لُحمة.
قلنا إنه كان قائداً استثنائياً، ولعل علو همته وعاطر سيرته وسجل إنجازاته الحافل داخل المملكة الشقيقة وخارجها تقدم المثال تلو المثال على ذلك، فمن دوره الريادي إقليمياً وعالمياً في مكافحة الإرهاب الأعمى بكل صنوفه إلى التحصين المعرفي والوطني للمواطن السعودي من خلال تدشين ما يزيد على 12 جامعة في أقل من عقد من الزمان، وعشرات المدن الطبية، والمدن الرياضية وجولاته رحمه الله في كل أرجاء المملكة، ملكاً، أو قائداً أعلى لقواته المسلحة، أو رئيساً للحرس الوطني.
وإذا أضفنا إلى ذلك المدن الاقتصادية والصناعية الكبرى ومشروعات الإسكان الضخمة وغيرها من المشروعات العملاقة التي جاوزت كلفتها 600 مليار ريال، نجد أن الملك الراحل كان قوة دافعة في توجيه المسار التنموي السعودي نحو العالم الأول، ولكن عبر الطريق السريع للاقتصاد المعزز بالمعرفة.
ولا ينكر منصف دور الملك عبد الله بن عبد العزيز في إطلاق مبادرات عالمية رئيسة للحوار بين الأديان، بعدما كان أطلق بنجاح مبادرة وطنية مهمة داخل المملكة للحوار الوطني حمت الديار السعودية من شرور الشذوذ الفكري وعسف التأصيل، كما كانت مبادراته رحمه الله في رأب الصدع بين الأشقاء أكبر من أن يحصيها مقال. وإذا ذكرنا أفضاله فلا يجوز أن ننسى أنه صاحب أكبر توسعتين على الإطلاق للحرم المكي الشريف ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وكان يتابعهما شخصياً، فجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.
واليوم ونحن نودع هذا الفارس الكبير الملك عبد الله بن عبد العزيز لا نجد أبلغ من مقولة قائدنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في رثاء العاهل السعودي الراحل، أن الأمتين العربية والإسلامية فقدتا برحيله رحمه الله قامة كبيرة وقيادة تاريخية، لم يتوانَ عن خدمة قضايا أمته حتى آخر لحظة من حياته.
وهو ما أكده سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حين وصف الفقيد الكبير بأنه ملك قلب شعبه وقلوب المسلمين بحكمته وبذله وعطائه وتفانيه في خدمة الإسلام والمسلمين.
أما الإمارات فإنها كما يقول الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقدت برحيل «أبي متعب» أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً مخلصاً، أسهم مع أخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في تعزيز أواصر الأخوة بين البلدين الشقيقين.
واليوم، والمملكة العربية السعودية الشقيقة التوأم تمسح دمعتها العزيزة وتخطو إلى المستقبل بقيادة جديدة، فإننا في الإمارات ومعنا كل مخلص في العالمين العربي والإسلامي نتطلع إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يحفظه الله، وعضديه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، لمواصلة مسيرة المملكة الشقيقة نحو العز والسؤدد، والبناء على ما أنجزه العاهل الراحل في مسيرة العلاقات الثنائية الدافئة مع دولتنا الحبيبة وقيادتها لما فيه خير البلدين والشعبين.
أما فقيدنا الكبير، رحمة الله عليه، فما أصدق من قال عنه: هنيئاً للملك عبد الله بن عبد العزيز بشائر رحمة ربه، فقد مات في النصف الآخر من الليل، فنعاه الناس ودعوا له في الهزيع الأخير من الليل، وصلوا عليه داعين مؤبنين في ساعة الاستجابة من بعد صلاة عصر الجمعة.
رحمة الله عليك أيها الملك الصالح والرجل البار.