تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » “الحكم” . . صاحب الفصل بين الحق والباطل

“الحكم” . . صاحب الفصل بين الحق والباطل 2024.

  • بواسطة

يذكر الإمام محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، في كتابه "شرح أسماء الله الحسنى" أن اسم الله الحكم ورد في القرآن الكريم في الكثير من الآيات منها قوله تعالى: "حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين" (سورة الأعراف: الآية 87)، الحكم: هو الحاكم وحكمه خبرة عن الشيء على وصف، فيكون ذلك من صفات ذاته، ويكون حكمه أيضاً عن عباده بشيء وهو أن يخلق ذلك الشيء على الوجه الذي يريد، يقال: حكم لفلان بالنعمة، أي أنعم عليه، وحكم على فلان بالمصيبة: إذا خلق الله له البلاء، فيكون هذا من صفات الفعل، واعلم أن الله تعالى حكم في الأزل لعباده بما شاء . . فمنهم شقي وسعيد، وقريب وبعيد، فمن حكم له بالشقاوة لا يسعد أبداً، ومن حكم له بالسعادة لا يشقى أبداً . . و"الحكم" اسم من أسماء الله الحسنى، وهو صاحب الفصل بين الحق والباطل، والبار والفاجر، والمجازي كل نفس بما عملت، والذي يفصل بين مخلوقاته، بما شاء، المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب . وقيل: الحكم هو الحاكم المحكم وقد ذكر القشيري ذلك . وقال الغزالي: الحكم هو الحاكم المحكم، والقاضي المسلم، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه .

القناعة والطاعة

وقيل: الحكم هو الذي لا يقع في وعده ريب، ولا في فعله عيب، وقيل: الحكم هو الذي حكم على القلوب بالرضا والقناعة، وعلى النفوس بالانقياد والطاعة، وقيل: هو الذي يحكم النافذ حكمه، الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وهو الذي يفصل بين الحق والباطل، ويبين لكل نفس ما عملت من خير أو شر، وهو المنتصف للمظلوم من الظالم، وقد جاء في سورة "الأنعام": "أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً" . وجاء في سورة يونس: "واتبع ما يوحي إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين"، وقال في سورة التين: "فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين" . وجاء في سورة يوسف: "إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون"، وقد ذكرت المشتقات من لفظ "الحكم" في مواطن كثيرة من القرآن الكريم .

وذكر الرازي أن الحكم صفة ذات، وقد يقال أيضاً حكم لفلان بالنعمة أي أنعم عليه، فعلى هذا يكون اسماً لحكيم من صفات الفعل . كما ذكر الرازي أن حظ العبد من هذا الاسم الكريم أن ينقطع تعلق قلبه عن المستقبل، بل يصير مشغول القلب أنه لا يصيبه إلا الذي جرى في الأزل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب" . وفي كتاب "الأنوار القدسية" أن حظ العابد من هذا الاسم الشريف أن تكون حاكماً على قوتك الغضبية فلا تغضب على من أساء إليك، وأن تحكم على قوتك الشهوانية فلا تطلب إلا ما يسره الله لك، ولا تحزن على ما تعسر، وأن تحكم على نفسك فتجعلها تحت سلطان العقل، وتجعل العقل تحت سلطان الشرع . ولا تحكم حكماً حتى تأخذ الإذن من الله تعالى الحكم العدل .

العدل

و"العدل" اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مصدر عدل يعدل عدلاً فهو عادل، وأقيم المصدر مقام الاسم، فهو ذو العدل . ومعنى العدل هو المعتدل، لا يظلم ولا يجور فهو المنزه عن الظلم والجور في أحكامه وأفعاله، الذي يعطي كل ذي حق حقه يضع كل شيء موضعه، ولا يصدر منه إلا العدل، الذي له أن يفعل ما يريد، وحكمه ماض في العبيد .
ويقول القرآن في سورة الأنعام: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته" . ويقول الله تبارك وتعالى آمراً بالعدل: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" .

ويذكر الأصفهاني في مفردات القرآن حقيقة العدل، ويذكر أن العدل هو التقسيط على السواء، ولهذا ورد: "بالعدل قامت السموات والأرض" تنبيهاً إلى أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظماً .

والعدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخاً ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكف الأذية عمن كف أذاه عنك، وعدل يعرف كونه عدلاً بالشرع ويمكن أن يكون منسوخاً في بعض الأزمنة كالقصاص وأروش الجنايات وأصل مال المرتد ولذلك قال: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه" وقال: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فسمى اعتداء وسيئة، وهذا النحو هو المعني بقوله: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" فإن العدل هو المساواة في المكافأة، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشر بأقل منه .

والطريق إلى معرفة الله العدل يتحدث عنه الغزالي فيقرر أنه لن يعرف العادل من لم يعرف عدله، ولا يعرف عدله من لا يعرف فضله، فمن أراد أن يفهم هذا الوصف فينبغي أن يحيط علماً بأفعال الله تعالى من أعلى ملكوت السماوات إلى منتهى الثرى . حتى إذا لم ير في خلق الرحمن من تفاوت، ثم يرجع البصر فما يرى من فطور، ثم يرجعه مرة أخرى فينقلب إليه خاسئاً وحسيراً، وقد بهره جمال حضرة الربوبية، وحيرة اعتدالها وانتظامها فحينئذ يعشق بفهمه شيئاً من معاني عدل الله تعالى، وقد خلق أقسام الموجودات، جسمانيها وروحانيها، كاملها وناقصها، وأعطى كل شيء خلقه وهو بذلك جواد، ورتبه في موضعه اللائق به وهو بذلك عدل .

البصير

جاء ذكر البصير في القرآن الكريم في أكثر من أربعين موضعاً ففي سورة البقرة: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير" . وفي سورة آل عمران: "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" . وفي سورة المائدة: "وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون" وفي سورة الإسراء: "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً" . وفي سورة غافر: "والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير" . وفي السورة نفسها "إن الذين يجادلون في سبيل الله بغير سلطان أتاهم أن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" . وفي سورة الملك: "أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير" .

حاضر لا يغيب

ويقول الدكتور أحمد الشرباصي في موسوعة "له الأسماء الحسنى": "البصير" اسم من أسماء الله الحسنى، واللغة تقول: إن البصر هو العين، أو حاسة الرؤية، وقيل هو النور الذي تدرك به الجارحة المبصرات . والبصر نفاذ في القلب، والبصيرة قوة القلب المدركة والفطنة وعقيدة القلب، والبصير: المبصر، والعالم، والحاذق، والتبصر التأمل والتعرف والثبات في الدين .

والبصير بمعنى المبصر، فهو فعيل بمعنى مفعول، والبصير هو المبصر لجميع المبصرات، وفي "النهاية" فإن البصير هو الذي يشاهد الأشياء كلها، ظاهرها وخفيها، والبصر في حقه تعالى عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات .

وقيل: البصير هو المبصر المتصف بالبصر لجميع الموجودات من دون حاسة أو آلة، فيعلم تعالى جميع المبصرات تمام العلم، وتنكشف له تمام الانكشاف والتجلي، فهو يبصر خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يشاهد ويرى، ولا يغيب عنه ما في السموات العلى وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وهو الحاضر الذي لا يغيب .

جزاكِ الله خير الجزاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.