انتعاش الاقتصاد الأمريكي مخيب للآمال
ويليام بيسيك
ربما تكون الجولة المنتظرة من جولات رفع أسعار الفائدة الأمريكية الأكثر اهتماماً في أوساط أسواق المال العالمية. لكن رغم سعي جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الحثيث لتوضيح صورة الاقتصاد، لايزال كم كبير من الغيوم يحيط بمستقبل الانتعاش الذي يقال إن الاقتصاد الأمريكي أحرزه حتى اليوم.
فقد أعلنت يلين الأسبوع الماضي عن عزم المجلس رفع أسعار الفائدة هذا العام وربما في شهر سبتمبر/أيلول، رغم الهبوط الحاد في نسبة نمو الناتج الإجمالي المحلي للربع الأول. وسواء كان السبب ظروف الشتاء القاسية أو غيرها من الأسباب، فإنه عادة ما يسجل الاقتصاد في الأشهر الثلاثة الأولى من كل عام نتائج أضعف من غيره من فصول السنة. وسبق أن سجل الاقتصاد الأمريكي انكماشاً بنسبة 2.9% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024 ثم عاود النهوض في الفصول الأخرى. ونأمل أن يكون الرقم الذي سجله في الربع الأول من هذا العام عارضاً غير دائم.
وقد يكون من التسرع الآن استنتاج العبر. وربما ينتهي عام2020 كما بدأ وأسعار الفائدة الأمريكية عند الصفر. وعبرت يلين عن ذلك بقولها: «في كل عام هناك توقعات وعندما أتوقع شيئاً ويتبين خطأه فسوف أتخلى عنه فوراً».
ولا شك في أن هناك احتمالاً لأن تكون توقعاتها خاطئة في ما يتعلق بالجانب الإيجابي لأداء الاقتصاد. فالاحتياطي الفيدرالي يتوقع نمواً بنسبة 2.5% خلال العامين المقبلين وهو معدل أعلى بقليل من النسب التي تم تحقيقها منذ بداية الانتعاش المزعوم الذي أوشك على دخول عامه السابع. وفي حال تراجعت نسبة البطالة إلى 5% بنهاية العام فلا شك في أن معدلات الأجور سوف تتحسن ما يعني أن المجلس سوف يضطر لكشف المستور.
إلا أن ميزان المخاطر يميل في الاتجاه المعاكس. فبعد سنوات من جمود معدلات الدخل لن يتحمل الشارع صدمة جديدة. ومن المدهش على أية حال أن يختار المستهلكون الادخار على زيادة إنفاقهم نتيجة انخفاض أسعار الطاقة. والأمر نفسه ينطبق على استثمار الشركات الذي لا يزال انخفاضه مخيباً للآمال. ويبدو أن محركي الاقتصاد الرئيسيين ينتظر كل منهما تحرك الآخر أولاً. فالمستثمرون محجمون عن الاستثمار والمستهلكون محجمون عن الإنفاق. فما الذي يبث فيهم روح المبادرة؟
ومما يثير الدهشة أيضاً، صراحة يلين حول آفاق قدرة السياسة النقدية على الفعل. فقد بذل المجلس أقصى ما لديه من طاقة خلال السنوات السبع الماضية، ومع ذلك حافظ الاقتصاد الأمريكي على معدلات أداء محبطة بعد أزمة «ليمان براذرز» عام 2024، قياساً على سنوات تلت أزمات سابقة. وكشفت دراسة لبنك «إتش إس بي سي» عن أن معدل النمو الذي حققه الاقتصاد الأمريكي بعد أزمة عام 1981 بلغ 3.5% وبعد أزمة عام 1990 لم يتجاوز 3.1% مقارنة مع 2.1% بعد أزمة عام 2000 و1.1% بعد الأزمة الأخيرة التي بدأت عام 2024.
ويبدو المنحى التنازلي الذي يسير فيه الاقتصاد جلياً حتى إن بعض خبراء الاقتصاد يدعون إلى تعديل في المسار على غرار النموذج الياباني. وربما تكون الصورة وراء هذه الدعوة مغرقة في التشاؤم. فقد تمكنت الولايات المتحدة من تعديل ميزانها الختامي بسرعة أكبر مما فعلت اليابان في التسعينات، كما أن تركيبتها السكانية أفضل حالاً. فضلاً عن أن الاقتصاد الأمريكي هو الأكثر ابتكاراً وتجديداً في العالم. إلا أن الحكم على النمو لا يزال يتم عبر رؤية تشاؤمية ليست أمريكية الطراز.
وإذا كان من المتوقع أن يقفز النمو خلال الفصلين الثاني والثالث فلا بد أن تقدم يلين على رفع أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول أو ربما بعده بقليل. لكن ضعف مساهمة قوة العمل الأمريكية لا يتيح للاحتياطي حيز مناورة واسعاً. ومع ذلك ستبقى حدود التغير في دورة الاقتصاد الأمريكي ضيقة وسطحية. وعندما تنصب التوقعات في حيز المدى القريب يصبح توقع رفع أسعار الفائدة بالحد الأدنى أقرب إلى اليقين.