د . عبدالعظيم محمود حنفي*
يحذر كثير من المحلليين صانعي السياسات من التوترات المتزايدة بشأن العملات، حيث ثمة عدد من الدول تقلل قيمة عملتها بشكل مفتعل عبر مزيج من استخدام النفوذ والأموال الحكومية لشراء الدولارات في سوق العملة الدولي . وهذه طريقة لجعل صادراتها أقل غلاءً ووارداتها أكثر غلاءً . قد ينتج عنها عودة إلى الحمائية التجارية على غرار تلك التي حدثت في ثلاثينات القرن الماضي؛ ففى الأزمة الاقتصادية فى ثلاثينات القرن الماضى جعلت الحرب الجمركية بين الولايات المتحدة وأوروبا حجم التجارة العالمية ينخفض بنسبة 66 في المئة بين عامي 1929 و1934 .
والسياسات التجارية الحمائية يقصد بها القيود الحكومية التي تفرض على التجارة من خلال التحكم في الضرائب والجمارك بهدف توفير الحماية لسلع ومنتجات محلية حماية لها من المنافسة الخارجية . مثل هذه السياسات الحمائية عادة ما تكون ببساطة عن طريق فرض الضرائب ورسوم جمركية أو أي لوائح أخرى على البضائع والسلع المستوردة للحد من الواردات . القيود على الاستيراد التي تقوم بها الدول النامية قد تكون مفهومة ومقبولة على المستوى العالمي نوعا ما، لكن المشكلة تكمن في المعايير الملتوية .
فإذا قامت دولة ما باتخاذ أي إجراءات حمائية لمصلحة سلعها ومنتجاتها فمن العادة أن تفعل دول أخرى الشيء نفسه، وهو ما يخلق دائرة مفرغة في هذا الصدد، يخلق آثاراً سلبية عديدة للتجارة الدولية ولكل الأطراف المعنية . وتنتشر السياسات الحمائية في أعقاب الأزمات المالية العالمية . غير أن تلك السياسات قد تصير ضرورة ملحة في بعض الفترات الحرجة للدول لاسيما في أعقاب حرب مُدمرة . وتعلمنا تجارب فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أن تلك الدول في مسيرتها التنموية ومحاولة النهوض الاقتصادي السريع، اتجهت إلى الداخل وفرضت الحواجز العالية بوجه التجارة . وقد أقر كثير المحلليين، بالدور الإيجابي الذي لعبته سياسة إيجاد بديل عن البضائع المستوردة في السنوات الأولى للنمو في تلك البلدان الثلاثة، فنمو آسيا الشرقية بدأ في ظل سياسات حمائية . لكن ما حققه النمو الاقتصادي في المرحلة الأولى هو أنه قام بمجرد إعادة الاقتصادات الآسيوية الشرقية إلى المستويات التي كانت عليها قبل الحرب . وكانت الفترة الزمنية الطويلة من النمو اللافت للنظر مرتبطة بالتحرير الاقتصادي التدريجي، لا بالحماية الدائمة . فعندما استُكملت هذه العملية، احتاجت اقتصادات آسيا الشرقية إلى الانفتاح على الأسواق العالمية لتأمين المُدخلات الإنتاجية الوسيطة وللتمكّن من بيع منتجاتها على نطاق أوسع في آن واحد؛ ففتحت البلدان الثلاثة اقتصاداتها أمام المنافسة الدولية . وقد حققت بقيامها بذلك، معدلات نمو اقتصادي ندر أن شهدها العالم عبر التاريخ، فكوريا الجنوبية، على سبيل المثال، بلغ نمو الإنتاج الاقتصادي الفردي السنوي 2 .2 في المئة بين عامي 1955 و،1965 في حين بلغ 2 .8 في المئة خلال السنوات العشر التالية . والعبرة الواضحة التي تقدمها تجربة دول شرق آسيا للدول النامية هي أن النمو المستدام يتطلب التقليص التدريجي للحواجز الموضوعة في وجه التجارة العالمية . ومنذ الازمة المالية العالمية الاخيرة اتخذت دول عدة تخشى من أن يضر ارتفاع أسعار الصرف بصادراتها ويعيق النمو، إجراءات للحد من صعود العملة، ما أثار مخاوف من الانزلاق إلى إجراءات حماية تجارية من شأنها تقويض النمو العالمي . ما حدا بالقائمين على منظمة التجارة العالمية وأركان إدارة الرئيس أوباما والحكومة الصينية، إلى التحذير من أن الحماية التجارية تشكل تهديداً متنامياً للاقتصاد العالمي .