وأشارت تقديرات سيتي بنك في وقت سابق هذا العام إلى أن الإمارات تشهد تنفيذ مشروعات بناء بثلثي تريليون دولار.
كان ذلك قبل أن يكشف حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن نماذج مول العالم وهي مدينة مغطاة بالزجاج بها ميدان يشبه تايمز سكوير وشارع يضاهي أكسفورد ستريت إلى جانب أكبر ملاهي مغلقة في العالم.
غير أن الأمور ليست جميعها على ما يرام بالنسبة لشركات البناء التي وجدت قدرا هائلا من الأعمال لكن مع هوامش ربح محدودة وتباطؤ شركات التطوير في سداد الفواتير.
ويعني هذا أن بعض المشروعات الضخمة الجديدة والجذابة قد يتأخر استكماله عن الموعد المحدد.
وتتعافى الإمارات بقوة من الأزمة المالية التي نشبت في 2024-2009 وعصفت بالسوق العقارية.
وأعلنت الحكومات والشركات شبه الحكومية عن مجموعة من مشروعات الإسكان والبنية التحتية الضخمة في الأشهر الثمانية عشر الماضية.
لكن مع توقف بعض شركات التطوير العقاري في دبي وأبوظبي عن سداد ما عليها من مستحقات تلجأ شركات البناء الآن إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطات النقدية لجمع الأموال اللازمة لتنفيذ المشاريع.
وفي غضون ذلك يجتذب ازدهار قطاع البناء مقاولين جددا وآخرين من الباطن لتقديم عروض من أجل الفوز بالمشروعات أملا في جني أرباح سريعة. لكن ذلك يقلص هوامش الربح.
تبرز هذه المصاعب المخاطر التي تواجها سوق البناء في منطقة الخليج.
وتتدفق شركات البناء الأجنبية على المنطقة لأخذ نصيبها من ثروتها النفطية لكنها تواجه في بعض الأحيان أوضاعا غير مستقرة في السوق وعدم انتظام في سداد مستحقاتها.
وقال فيليب ديسوي العضو المنتدب بشركة البناء البلجيكية بي.إي.اس.آي.اكس "أكبر التحديات التي يواجهها المقاولون هو أن الهوامش مازالت تنخفض."
وقال خبير إقليمي بشؤون القطاع طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية تعليقاته إن أرباح شركات البناء الإماراتية ستنخفض هذا العام رغم ضخامة حجم المشروعات.
وأضاف "تمر أنشطة المقاولات بمرحلة صعبة. سداد المستحقات يتأخر وهو ما يؤثر على شركات البناء التي تواجه الآن مشاكل في السيولة.
وسيكون لذلك بالطبع تأثير على المشروعات."
مستحقات
تظهر التحديات التي تواجهها شركات البناء في شركات مثل أرابتك أكبر شركة مقاولات في دبي والتي شيدت أطول برج في العالم.
فقد ارتفعت قيمة المشروعات التي تضطلع بها الشركة ولم تكتمل بعد إلى المثلين تقريبا لتصل إلى نحو 26 مليار درهم (7.1 مليار دولار) في نحو عامين.
لكن الأموال المستحقة لها عند عملائها قفزت إلى 9.1 مليار درهم في النصف الأول من 2024 ارتفاعا من 6.6 مليار درهم قبل عام.
وفي غضون ذلك انكمش الرصيد النقدي للشركة إلى 1.1 مليار درهم في يونيو حزيران من 2.7 مليار درهم في الربع الثالث من 2024.
وقال محللون إن ذلك يرجع بالأساس إلى ارتفاع متطلبات رأس المال العامل.وأحجمت أرابتك عن التعليق.
وقال ألين سانديب مدير البحوث لدى نعيم القابضة للسمسرة "إذا كانت أرابتك تريد الاستمرار على الوتيرة الحالية لتنفيذ المشروعات في الربعين أو الثلاثة المقبلة فإننا نتوقع خروج تدفقات نقدية (رأس المال العامل الإضافي) قدرها 500 مليون درهم في كل ربع."
وأضاف "لا يعني هذا سوى أن سيولة الشركة قد تنفد وتضطر إلى جمع أموال أو إبطاء مشروعاتها التي تضطلع بتنفيذها."
واضطرت أرابتك أيضا إلى التعامل مع تغيرات في هيكل الإدارة مثل الاستقالة المفاجئة لرئيسها التنفيذي حسن اسميك في يونيو حزيران.
وقال محللون لدى اتش.اس.بي.سي في يونيو حزيران إن مغادرة عدد من كبار المديرين والموظفين ستتمخض عن "تأخيرات كبيرة في المشروعات".
وأكدت الشركة أن جميع مشروعات البناء التي تتولاها تمضي في مسارها.
غير أنها عملت على تقليل التزاماتها وتخلت عن خطط لتدشين شركتها العقارية وقلصت استراتيجيتها الخاصة بتقديم عروض للفوز بمشروعات للنفط والغاز في المنطقة.
وعلى ذات المنوال بلغت المدفوعات المستحقة لشركة دريك اند سكل في دبي 5.3 مليار درهم في النصف الأول من العام الحالي بما يتجاوز مثلي إيراداتها في النصف الأول والبالغة 2.35 مليار درهم.
وزادت قيمة المشروعات قيد التنفيذ إلى 14.3 مليار درهم من 7.4 مليار درهم قبل عام.وأحجمت الشركة عن التعقيب.
هذه الضغوط قد تؤدي إلى تأخر مجموعة من المشروعات في الإمارات ربما من بينها مشروعات بارزة مثل متحف اللوفر أبوظبي الذي طال انتظاره وتشيده أرابتك وبعض الشركات الأخرى.
وحتى الآن لم يكتمل سوى 55 بالمئة من أعمال بناء المتحف الذي يضم واحدة من أكبر القباب في العالم رغم أن من المقرر استكماله في العام المقبل.
وقال جاسم الحمادي رئيس قسم البنية التحتية في شركة التطوير والاستثمار السياحي المملوكة لحكومة أبوظبي والتي تنفذ المشروع "ينبغي إنجاز الكثير من العمل الشاق للوصول إلى خط النهاية. إنه أمر صعب لكننا نعمل على الالتزام بالموعد النهائي."
وقال مصدر بالقطاع يتابع تطورات المشروع إن من الصعب جدا استكمال أعمال البناء في العام المقبل في ضوء حجم المشروع والضغوط الواقعة على الموارد.
أموال
شهد العامان الأخيران طفرة دفعت أسعار العقارات السكنية في دبي إلى قرب مستوياتها إبان الفقاعة العقارية التي شهدتها قبل انهيار سوق الإمارة في 2024.
وأشار تقرير أصدرته شركة نايت فرانك العقارية إلى أن إيجارات المساكن الفاخرة في دبي حاليا لا تقل سوى عشرة بالمئة عن ذروتها في 2024.
ومع ارتفاع الإيجارات وأسعار المنازل بنسبة 30 بالمئة في دبي تشير التقديرات إلى أنها سجلت أعلى وتيرة نمو في العالم خلال النصف الأول من العام بعد ارتفاعها 25 بالمئة في 2024.
وربما بلغت السوق أخيرا ذروتها حيث تباطأت الزيادات في الأشهر القليلة الماضية.
ويشكو السكان ومعظمهم مغتربون من آسيا وأوروبا من ارتفاع تكاليف المعيشة ويتساءلون عما إن كانت هذه الطفرة ستستمر في المدينة التي تتباهى بجذب الموهوبين بما توفره لهم من حياة طيبة.
وترك جهانزيب مشهدي المدير المساعد بوحدة الشرق الأوسط لشركة باناسونيك مسكنه الفخم في مبنى شاهق وسط دبي ويقيم حاليا في شقة متواضعة تبعد ساعتين من عمله وتقع على حدود إمارة الشارقة المجاورة. ونتيجة لذلك يستقل ابنه حافلته المدرسية قبل شروق الشمس.
ورغم ازدهار السوق مازالت شركات التطوير العقاري تتذكر الأزمة التي نشبت قبل ست سنوات وهو ما يدفعها لتوخي الحرص والحذر بشأن دفع مستحقات مقاولي البناء.
ويقول مسؤولون تنفيذيون بالقطاع إن بعض شركات التطوير العقاري تتمهل في دفع المستحقات وتسددها على مراحل بدلا من دفع مبالغ كبيرة مقدما لشركات البناء.
صحيح أن الحكومات المحلية وخصوصا حكومة أبوظبي الغنية بالنفط لا تفتقر إلى الأموال لكن العقبات البيروقراطية واللوجستية قد تؤخر سداد مستحقات شركات البناء.
وقد يصبح تراجع أسعار النفط العالمية مبعث قلق آخر إذا طال أمده. ورغم تهاوي الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات خلال الأشهر الأخيرة فمازال من المعتقد أن أبوظبي تتمتع بفائض في الميزانية ولا توجد علامات تشير إلى إلغاء مشروعات مدعومة من الدولة.
غير أن مسؤولين تنفيذيين بالقطاع يعتقدون أنه إذا ظل خام برنت قريبا من مستوى 80 دولارا للبرميل لمدة عام أو عامين فإن الإنفاق على المشروعات قد يتباطأ.
أما شركات البناء التي تسعى للحصول على تمويلات فإن سوق السندات الإماراتية لم ينضج بعد ومن ثم فإنها تعتمد بدلا من ذلك على البنوك في المقام الأول.
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن قروض قطاع البناء في الإمارات العربية المتحدة ارتفعت 40.1 بالمئة في ديسمبر كانون الأول الماضي عن مستواها قبل عام لتصل إلى 181 مليار درهم. وفاق ذلك نسبة النمو البالغة 8.8 بالمئة في إجمالي القروض المصرفية.
فعلى سبيل المثال حصلت دريك اند سكل على قرضين في الأشهر الست الأولى من العام الحالي أحدهما بقيمة 20 مليون دولار من بنوك عالمية والآخر 125 مليون دولار من بنوك محلية.
لكن القروض قد لا تكون كافية لبعض الشركات لاستكمال الأموال اللازمة لتغطية نفقات التشغيل. وقال مصرفي في أبوظبي إن البنوك مازالت متحفظة في أعقاب أزمة 2024-2009.
وأضاف "تقدم البنوك قروضا بالطبع لكنها تقرض بحذر وفقا لمجموعة من المعايير مثل مستوى الأمان وأموال المقترضين والتدفقات النقدية ومدى قابلية المشروعات للاستدامة… الخ."
وبالتزامن مع ذلك يضغط التنافس الشديد في قطاع البناء على هوامش الربح وهو ما يعني أن الأرباح المحتجزة لا يمكن أن تمول المشروعات الكبرى.
وأعلنت أرابتك نمو صافي أرباحها 11 بالمئة فقط على أساس سنوي في الربع الثاني من العام رغم ارتفاع الإيرادات 51 بالمئة. وسجلت دريك اند سكل هبوطا نسبته 41 بالمئة في الأرباح الفصلية.
وقال سانديب من نعيم "رغم نمو حجم الأعمال كان هناك انخفاض بين ثلاث وأربع نقاط مئوية في الهوامش على مدى العامين أو الثلاثة الأخيرة وهو ما يؤثر على المقاولين."