حتى في حالة الحرب
وقد أوجب الله أداء الصلاة في الجماعة حتى في حالة الحرب، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة في أشد الأحوال وأصعبها، فقد روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من جهينة، فقاتلونا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقالوا إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت العصر، قال صفنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة، قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، فقاموا مقام الأول، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني، ثم جلسوا جميعاً، سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
ويتضح اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة مما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"، ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل أعمى ليس له قائد يقوده إلى المسجد، ففي صحيح مسلم أن رجلاً أعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يلازمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ قال: نعم، قال: "فأجب" .
وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المشائين إلى المساجد بالنور يوم القيامة: "ليبشر المشاؤون في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة"، وهو النور المذكور في قوله تعالى: "نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا"، وفي فضل المشي إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح" .
والمصلي في المساجد مع الجماعة زائر لله في بيت من بيوته ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر"، وروى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه" .
وصلاة الجماعة من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، إذ يروى أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع"، ويرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى: "إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل"، وفي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة" .
والمحافظ على صلاة الجماعة في ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، قال صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم "ورجل قلبه معلق بالمساجد"، والمقصود أنه شديد المحبة للمسجد، ولملازمة الجماعة فيه .
تطهير من الذنوب
وقد جعل الله المشي إلى الجماعات من أسباب تطهير العبد من الذنوب فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"، وذكر منها: "وكثرة الخطى إلى المساجد"، وجعل أجر الخارج إلى الصلاة المكتوبة من بيته لأدائها مع الجماعة متطهراً كأجر الحاج المحرم فقد روى الإمام احمد والإمام أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرِم"، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخارج إلى الصلاة ضامن على الله تعالى لما رواه الإمام أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل" وذكر منهم "ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة" .
والصلاة في الجماعة تعصم العبد من أن ينال منه الشيطان كما في الحديث الذي رواه الإمام احمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان ذئب للإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة" .
سنن الهدى
وعرف الصحابة رضوان الله عنهم وبعدهم السلف الصالح قيمة صلاة الجماعة بالمساجد وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب"، وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الأذان" .
وهنالك فضل خاص لصلاتي العصر والفجر في جماعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه"، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"، وكذلك فإن أداءها في وقتها مع الجماعة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"، يعني الفجر والعصر .
جزاكم الله كل خير على التذكير