«البيان» تتبعت تلك القطرة المالحة والمراحل الصعبة التي تمر بها حتى تصلنا في رحلة طويلة وشاقة زلالاً نقياً، وذلك من خلال جولة ميدانية في محطة الزوراء بعجمان لتحلية المياه والتي تنتج 26 مليون غالون مياه عذبة يومياً، ولم يخطر على بال أحد منا تلك الرحلة الشاقة لقطرة المياه حتى تصلنا حيث يتكلف سعر الغالون الواحد منها بعد التحلية ما بين 4.5 إلى 6 دولارات.
ويعد الماء هبة إلهية وعطية ربانية، ونعمة من نعم الله العظيمة الجليلة ذات الأهمية البالغة التي أفاض بها علينا وعلى الكون بأسره، والماء سبيل كلّ تقدم وازدهار وتمدن وتحضر، وأحد المقومات الأساسية للحضارات الإنسانية قديماً وحديثاً، إضافة إلى دوره الحيوي عبر التاريخ في تقدم الحضارة الإنسانية وبقائها؛ فقد نشأت الحضارات الأولى ونهضت على ضفاف الأنهار، ومنها تلك التي نشأت على ضفاف النيل ودجلة والفرات ووادي السّند.
رافق «البيان» في الجولة الميدانية التي هدفت إلى معرفة كنه تحلية المياه محمد خليل الشمسي مدير الاتصال المؤسسي بالهيئة الاتحادية للكهرباء وعيسى حميد الزري مدير إدارة توليد الكهرباء والمهندسة عائشة سعيد علي الشحي مدير إنتاج المياه دائرة التوليد والإنتاج والمهندس محمد حسين لطفي مدير قسم التشغيل والصيانة.
بالأرقام
وأكد محمد محمد صالح مدير عام الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء أن الهيئة الاتحادية للكهرباء تعمل جاهدة من أجل توفير المياه المحلاة إلى سكان الدولة، مبيناً أن محطة الزوراء في عجمان تشمل 4 محطات تحلية للمياه ، وجميعها تعمل عن طريق التناضح العكسي وتنتج مجتمعة 26 مليون غالون من المياه العذبة يومياً، منها محطة انتاجها 6 ملايين غالون يومياً، وأخرى 3 ملايين غالون يومياً، ومحطة ثالثة تنتج 7 ملايين غالون يومياً، ورابعة تنتج 10 ملايين غالون يومياً وتكلفتها 190 مليون درهم، إضافة إلى محطة تحلية الحميدية من الآبار والتي تنتج 3 ملايين غالون يومياً وهناك محطة تجارية أخرى تنتج 8 ملايين غالون وتم إيقافها نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج لأنها تعمل بالغاز وهو مكلف.
وقال إن تحلية مياه البحر هي عبارة عن عملية تقوم على تحويل مياه البحر المالحة والغير صالحة للشرب إلى مياه عذبة نقية صالحة للشرب وللاستخدامات الأخرى، وأن تلك التحلية تتم في محطات متخصصة، حيث تتوفر فيها العديد من الوسائل والتقنيات الحديثة، مبينا أن عملية تحلية مياه البحر هي عملية مكلفة، فهي تستهلك الكثير من الطاقة، لافتا إلى أن محطات الزوراء تتم التحلية فيها عن طريق التناضح العكسي والذي يعرف كذلك باسم الضغط الأزموزي العكسي، وتقوم هذه العملية على فصل الماء عن الملح بواسطة الضغط العالي حيث إنه بعد القيام بمعالجة الماء معالجة أولية يوضع في آلات مخصصة يتم فيها تعريضه لضغط عال فينفصل الماء العذب عن الملح بمفعول هذا الضغط ويمر عبر غشاء شبه نافذ إلى ناحية أخرى أقل ضغطاً ليتجمع فيها وتتم هذه العملية عبر عدة مراحل حيث يمر الماء في كل مرحلة منها من غشاء معين.
طرق تحلية مياه البحر
وأوضح المدير العام للهيئة الاتحادية أن تحلية مياه البحر تمر بمراحل عديدة منها مرحلة أخذ المياه من البحر مباشرة عن طريق خطوط ممتدة داخل البحر تتراوح ما بين 500 – 700 متر في الطول، وبعمق 6 أمتار عن سطح البحر عبر 8 مضخات وتلك الخطوط مزودة بمصاف معدنية لمنع دخول الشوائب والاعشاب والاسماك ، مبيناً أن تلك الخطوط تتناسب مع سعة المحطة من حيث الطول والتي منها ما يحتاج إلى خطين أو ثلاثة خطوط، لافتاً إلى أن المرحلة الثانية هي نظام التقنية بالهواء المذاب وتليها مرحلة الفلاتر الرملية وعددها 14 فلتراً مقسمة إلى 3 أجزاء الجزء الاول فارغ والثاني عبارة عن رمل والثالث تجمع فيه المياه النقية، ويتم خلالها تصفية المياه من الشوائب العالقة بما يتناسب مع دخولها للأغشية التي تجرى فيها عمليات التحلية بطرق كيميائية وفيزيائية، ومن ثم تليها عملية التحلية عن طريق الفلاتر الدقيقة «المايكرونية» وهي المرحلة التي يتم فيها التأكد من خلو المياه من الشوائب حيث تشكل بنسبة 40% مياه عذبة صالحة للشرب و60 % مياه مالحة، ثم مرحلة مضخات الضغط العالي والتي يتم فيها دفع المياه بضغط عال إلى الأغشية بهدف فصل الأملاح من جزء من المياه الداخلة، ثم أخيراً مرحلة المعالجة النهائية والتي يتم فيها ضبط درجة الحموضة وتعقيم المياه عن طريق الكلور وهيدروكسيد الكالسيوم حتى تكون المياه متوازنة في الخزانات الرئيسية، ومن ثم توزيع المياه عبر محطات الضخ إلى خزانات التوزيع، مبينا أن هناك طرقاً جديدة تم استحداثها لتحلية المياه وهي عمليات الترويق بواسطة الهواء المذاب والتي تستخدم في حال وجود المد الأحمر.
معدات متطورة
وقال محمد صالح يتم استخدام فلاتر جديدة في تحلية المياه بدلاً من تلك القديمة بهدف تقليل التكلفة في الانتاج، وهي تكلفة رأس المال والتشغيل والكيماويات، إضافة إلى العمالة والطاقة المستخدمة والتي تعتمد عليها التحلية، مبيناً في الوقت ذاته أنه تم إحضار معدات ذات كفاءة عالية والتي من شأنها زيادة الانتاجية في المياه المحلاة والتقليل من التوقفات، كما تم التوسع في الوحدات الكبيرة الامر الذي وفر نسبة كبيرة في استرجاع المياه المحلاة وبنسبة 40 % بدلاً من 30 %، لافتاً إلى أنه تم استخدام توربينات استرجاع الطاقة بتصميم حديث يقلل من استهلاك الطاقة من 6.5 كيلوواط في الساعة إلى 4.1 كيلوواط في الساعة، إضافة إلى استخدام نوعيات جيدة من الصلب ما أدى إلى انحسار التوقفات التي كانت تحدث في بعض الأجهزة ، مبينا أن نسبة تحلية المياه في محطة الزوراء تجاوزت 98% من حيث الجودة.
طرق
ولفت إلى أن تقنيات معالجة المياه وتنقيتها تتطور يوماً بعد يوم تبعا لتطور التكنولوجيا، واكتشاف مواد منقية ومعقمة للماء أكثر سلامة وصحة من سابقتها، مبينا أن الطريقة المستخدمة في تنقية المياه تعتمد على مصدر المياه والغرض من استعمالها، فتختلف نسبة إضافة المعقمات الكيميائية للمياه حسب العوامل السابقة، لافتا إلى أنه يتم استخدام مواد صديقة للبيئة عند تحلية المياه في عجمان ولا تضر بالكائنات البحرية، منها حامض الكبريتيك وهو غير ضار بالبيئة، كما يتم استخدام هايدروكسيد الكالسيوم وهو صالح لاستهلاك الآدمي.
مراحل التوزيع
وقال المدير العام للهيئة الاتحادية للكهرباء والماء إنه بعد المرحلة الأخيرة من تحلية المياه يتم أخذ المنتج من المياه المحلاة وتعبئته في خزانات مركز التوزيع في عجمان بمنطقة الحميدية عبر خطوط منها خط سعة بقطر 800 ملم من الحديد المرن وهو عبارة عن خط يمتد من محطة الزوراء ويمر في اتجاه منطقة الجرف وصولاً إلى شارع الشيخ محمد بن زايد وبمحاذاته في اتجاه الشارقة حتى شارع الشيخ راشد وصولاً إلى مركز التوزيع بالقرب من تقاطع الشيخ خليفة الجديد، لافتا إلى أن الخط الجديد يخدم مناطق الجرف والحميدية والزهرة والمويهات ومنطقة الروضة، كما يوفر احتياجات المياه في عجمان وذلك من خلال توفير المياه لكافة الامدادات والتوسعات الجديدة في الإمارة.
وأضاف إن هناك مشروعا لخط مياه بقطر 600 ملم من الحديد المرن جار العمل فيه وهو من جزأين، ويعد مشروعين، أحدهما يخدم شبكات التوزيع ويتكامل مع الخط 800 ملم ويخدم مناطق الزهراء والصناعية والمويهات، والثاني يغطي مناطق داخل المدينة، النعيمية والراشدية ومنطقة الرميلة والبستان، وكافة المناطق الداخلية الأخرى، إضافة إلى خط بقطر 1200 ملم ، مبينا أن التوزيع يتم عبر 8 مضخات، منها 4 مضخات 120 ملم و4 أخرى 800 ملم، لافتاً إلى أن هناك اسطوانات لمنع الضغط العكسي حيث لا تؤثر على المضخات عند توقفها لحمايتها لأن أي تأثير عليها يكلف أموالًا طائلة.
مراحل
الماء موجود على سطح الأرض في حركة دائمة ومستمرة ومتكررة، فالماء الموجود في البحار والأنهار والمحيطات يتبخر عن طريق حرارة الشمس، ويصعد على هيئة بخار غير مرئي، ثم يعود إلى الأرض مرّة ثانية على هيئة أمطار أو ثلوج أو أي شكل من أشكال الرطوبة المائية، ويسقط معظم هذا الماء على المحيطات والأنهار والبحار مباشرة ، والجزء الآخر يسقط على ما تبقى من سطح الأرض، وتبقى هذه الدورة مستمرة بصورة متكررة ولا نهائية، ومن الجدير ذكره أنه بسبب دورة المياه هذه فإن كمية الماء الموجودة في الطبيعة تبقى ثابتة دائماً لكن ما يتغير فقط هو الشكل والهيئة التي يوجد عليها الماء .
والماء يحيي الأرض الميتة بعد أن ينزل الله عليها الماء الذي هو إكسير إلهي معجز، فتهتز وتنبت كل ما هو مخضر رائق بهيج ، فكأن الماء بالنسبة إلى ذلك بمثابة الروح للجسد، وهذه حقائق بينت ليقدر الإنسان هذه النعم التي هي أغلى النعم لبقاء الحياة واستمراريتها على كوكبنا الأرضي، ويجتنب كل شيء يضيعها أو يفسد طبيعتها الصالحة التي تضمن لها هذا التأثير السحري العجيب الذي يظل يحير ما دامت السماوات والأرض.
