بعد اجتماع طويل دام بين 4 و5 ساعات، قرر وزراء نفط منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الإبقاء على كل شيء كما هو، إذ لم يتم تغيير سقف إنتاج المنظمة البالغ 30 مليون برميل يوميا، ولم يتم الاتفاق على أمين عام جديد لها، بل تم التمديد للأمين الحالي الليبي عبد الله البدري.
لكن لماذا استغرق وزراء «أوبك» كل هذا الوقت حتى يخرجوا بهذا القرار؟ ما الذي دار داخل الغرفة المغلقة للاجتماعات التي لا يدخلها سوى 12 وزيرا والأمين العام؟
عندما دخل الوزراء الغرفة أول من أمس كان هناك 4 فقط يتفقون على أن «أوبك» يجب ألا تخفض الإنتاج، في حين كان الـ8 الباقون مصممين على خفض الإنتاج، وبذلك أصبح هناك جبهتان في الاجتماع، بحسب ما أوردت صحيفة الشرق الأوسط.
وهؤلاء الوزراء الـ4 هم وزراء الخليج يقودهم الوزير السعودي علي النعيمي، في حين قاد الجبهة الأخرى وزير الخارجية الفنزويلي ووزير بترولها السابق رافاييل راميرز الذي ترأس وفد بلاده إلى الاجتماع.
وافتتح راميرز النقاش حسب ما روته المصادر وحاول بشتى الطرق أن يقنع «أوبك» بضرورة تخفيض حتى ترتفع الأسعار؛ إذ إن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يرى أن السعر العادل للبرميل هو 100 دولار. وقال راميرز للوزراء إنه قادر على إقناع المنتجين خارج «أوبك» بالانضمام، وخصوصا روسيا والمكسيك.
ولكن كلام راميرز لم يقنع النعيمي والذي سبق أن حضر اجتماعا آخر يوم الثلاثاء، أي قبل يومين من اجتماع «أوبك»، جمعه بوزراء طاقة روسيا والمكسيك تحت رعاية راميرز. وخرج الـ4 من الاجتماع من دون أن يتفقوا على خفض إنتاجهم، ولكنهم اتفقوا على التنسيق المشترك ومتابعة السوق والأسعار باستمرار.
وقال النعيمي للوزراء في اجتماع «أوبك» إنه بعد كل السنين التي أمضاها في قطاع النفط يستطيع أن يؤكد لهم أنه لا يمكن الاعتماد على الدول خارج «أوبك» بشكل كبير إذا ما أعطوا التزامات بخفض الإنتاج. ولهذا فإن هناك احتمالا كبيرا بأن مخطط فنزويلا لن ينجح.
هنا تدخلت الدول الأفريقية المنتجة للنفط الخفيف والذي يشابه النفط الصخري مثل الجزائر وأنغولا ونيجيريا واقترحت مقترحا وسطا، وهو أن تقوم دول «أوبك» بتخفيض جماعي قدره 5 في المائة من إجمالي إنتاجها اليومي، والذي يزيد على 30 مليون برميل يوميا. ولاقى هذا المقترح القبول من الجميع عدا الوزراء الخليجيين، والذين عبر عن وجهة نظرهم النعيمي قائلا إن خبرته الطويلة قادته إلى نتيجة مفادها أن الفائض عندما يكون من خارج «أوبك» فإن محاولات «أوبك» للسيطرة على الأسعار من خلال تخفيض إنتاجها لن يكون مجديا.
وهذا الموقف عبر عنه وزير الإمارات سهيل المزروعي ووزير الكويت علي العمير قبل بدء الاجتماع. وقال وزير الكويت في تصريح من داخل القاعة الرئيسية لـ«أوبك»، إن الفائض يأتي أغلبه من خارج «أوبك»، ولهذا يجب أن يتم التعامل مع هذا الأمر بحذر، ويجب أن تنظر «أوبك» لمصالحها على المدى الطويل.
وقال وزير العراق عادل عبد المهدي للصحافيين عقب الاجتماع، إن مقترح تخفيض 5 في المائة كان الأنسب للجميع وقد يساهم لو بشكل بسيط في دعم الأسعار.
واستمر الجدل في الاجتماع بعد ذلك وتطرق الجميع عن الحديث عن النفط الصخري. وفي حقيقة الأمر هناك تصور شائع عند غالبية المحللين ووسائل الإعلام بأن السعودية تسعى في الدخول في معركة أسعار مع النفط الصخري، لكن في الأيام التي سبقت الاجتماع، بدا واضحا أن تركيز الوزير النعيمي لم يكن فقط على النفط الصخري، بل على كيفية التعامل مع الفائض بشكل عام أيا كان مصدره.
والنعيمي لديه خط واضح في سياسته البترولية، وهي الترحيب بالإنتاج الجديد من أي مصدر كان. هذا الترحيب كان مصدر انتقاد له من الكثير من معارضيه الذين يرون أن ترحيبه بهذه المصادر الجديدة هو ما سيقلص حصة المملكة السوقية. لكن النعيمي له رأي مخالف، إذ إن الطلب على النفط عالميا سيزيد، وهذا الأمر يتطلب أن يلبي المنتجين هذا الطلب من أي مصدر. وبالنسبة للسعودية فإن هذا يصب في مصلحتها فهي لا تحتاج حينئذ أن تستنزف حقولها أو أن تزيد طاقتها الإنتاجية فوق 12 مليون برميل يوميا.
وبالعودة إلى اجتماع «أوبك» فقد أوضح النعيمي للوزراء أن الفائض في السوق سيحل نفسه بنفسه وستتوازن السوق في نهاية المطاف متى ما كانت الأسعار تحد من دخول أي فائض جديد.
لكن صبر النعيمي وباقي وزراء الخليج لن يشاركه فيه باقي دول «أوبك»؛ إذ إن دول الخليج لديها احتياطيات مالية عالية من النقد الأجنبي، كما أنها لا تحتاج إلى أسعار فوق 100 دولار حتى تعادل ميزانيتها ولا تسجل عجزا.
وتحتاج غالبية دول «أوبك» باستثناء الخليج وأنغولا إلى أسعار فوق 100 دولار، وهذا ما يصعب موقفهم في قبول الأسعار الحالية. ويقول أحد المصادر في الدول المعارضة لـ«الشرق الأوسط»: «قرار السعودية سيذبح الأسعار ولكن سننتظر لنرى».
ثم تطرق الوزراء إلى المواضيع الموجودة عندهم في أجندة الاجتماع، ومن بينها مسألة الأمين العام ومحادثات المناخ وانتخاب رئيس لاجتماع مؤتمر «أوبك» العام المقبل، وتم انتخاب وزيرة نفط نيجيريا أليسون مادوكي ديزاني كرئيسة، وهي المرة الأولى في تاريخ «أوبك» التي تترأس فيها سيدة اجتماعات المؤتمر. ومن بين الأمور الأخرى الموافقة على تعيين محافظ فنزويلا في «أوبك» الدكتور برنارد مومر كرئيس لمجلس المحافظين في العام المقبل.
وكان هناك اقتراح بعقد اجتماع في فيينا في فبراير (شباط) لدراسة السوق والأسعار خوفا من هبوطها بشكل أكبر. ولكن السعودية ودول الخليج رأت أن لا حاجة للاجتماع قبل الاجتماع المقبل، والذي تم تحديده في الخامس من يونيو (حزيران) المقبل.
وبعد كل الشد والجذب ذهب الوزراء للغداء ثم عادوا لينهوا الاجتماع ويتفقوا جميعا على الموقف الخليجي الواحد بإبقاء سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل ليخرجوا بعد ذلك إلى الصحافيين الذين استقبلوهم بوابل من الأسئلة، وكان الرد الأول من النعيمي الذي قال: «لقد اتخذنا قرارا سعيدا».
ورغم كل التباين في وجهات النظر، احترم الجميع بمن فيهم الوزيران الإيراني والعراقي، وجهة نظر السعودية والخليج وأثبتت «أوبك» أنها متحدة وقادرة على اتخاذ قرار واحد، كما قال الوزيران الفنزويلي والكويتي عقب الاجتماع في طريقهما للخروج. وقال الوزير الكويتي العمير لـ«اـلشرق الأوسط»، إن «وحدة (أوبك) أهم من أي شيء».
ولا تزال دول العراق وإيران وفنزويلا تتقبل على مضض قرار «أوبك»، وخصوصا أن الأسعار هبطت أكثر أمس، أن تستقر عند 73 دولارا. ولكن الجميع سينتظرون لمعرفة ماذا إذا كانت خطة السعودية والخليج ناجحة أم أنها ستفشل في تخليص السوق من الفائض ورفع الأسعار وإنقاذ الميزانيات من الغرق.
وعاد الجميع أمس إلى بلدانهم في انتظار ما سيحدث من الآن حتى الخامس من يونيو المقبل.