لم يكتفِ أهل الإمارات قديماً بالاعتماد على الثروة السمكية لتأمين احتياجاتــهم الغذائية اليومية فقط، بل عمدوا على تحويلها لمخزونٍ غذائي صالح لمختلف المواسم والفصول، حتى تلك التي يندر وجود أصنافها فيها، وذلك من خلال تســــخير الإمكانات المتاحة لابتكار أساليب منوعة للحـــفظ تعتمد على طريقتي التمليح والتجـــفيف، ولعل أبرز منتجات هذا المخـــزون، الذي مازال حاضـــراً حتى الوقت الحالي (السحناء)، و(المالح).
وقال المواطن محمود محمد لـ«الإمارات اليوم» «توارثت أجيال إماراتية، أساليب منوعة لحفظ بعض منتجات الأسماك، ومن أبرزها (السحناء) التي تعتمد على طريقة الحـــفظ بالتجفيف، و(المالح) الذي يعتمد على طريــقة الحفظ بالتمليح»، وأضاف محـــمد الذي امتهن إعداد «السحناء»، منذ نحو ست سنوات، بعد تقاعده من وظيـــفته الحكومية التي عمل فيها لمدة 25 عاماً «تعد (السحناء) من ســمك (الجاشع)، بعد أن يتم اصطياده عن طريق (الليخ) في مواسمه الخاصة، وهو شـــبك صيد ذات فتحات صغيره، يصعب خروج (الجاشع) صغير الحجم منها، ويتم تعريضه للشمس لنحو خمسة أيام لضمان جفافه».
صالحة لمدة عام
وغالباً ما يعرض «الجاشع» للشمس على السيف، ولكن في حال استخدامه للأكل، فيفضل تعريضه للشمس في مكان بعيد عن الأتربة مثل المرتفعات، بعد وضعه على الحصير، أما في حال الرغبة في استخدامه كـ«حلا» أي سماد للنباتات مثل شجرة الليمون، واللوز وغيرهما، كما يفعل كثيرون، فمن الممكن تجفيفه على السيف على حد تعبير محمود محمد، الذي تابع «بعد أن يجف (الجاشع) ننظفه، ونقوم بتقطيع رأسه، ومن ثم طحنه فيما يعرف (بالمنحاز)، وهي الآلة القديمة التي كانت تستخدم للطحن اليدوي، حتى يصبح مسحوقاً خشناً بعض الشيء، وبفضل ماكينات الطحن الحديثة يصبح مسحوق (السحناء) ناعماً مقارنةً بالسابق، وبعد أن تنتهي عملية الطحن، يضاف إلى السحناء مسحوق الليمون الأسود الجاف، والفلفل الأسود لإعطائه نكهة مميزة، ويحفظ في زجاجات عادية محكمة القفل». وعن المدة الزمنية الصالحة لتخزينه فذكر محمد أن (السحناء) تظل صالحة للأكل لمدة سنة كاملة، وتؤكل عادةً مع الأرز الأبيض والسمن البلدي، ويعصر عليها الليمون المحلي. وأكد «غالباً ما تكون (السحناء)، البديل المناسب لربات البيوت في حال ضيق الوقت، وتشكل مخزوناً غذائياً جيداً للمسافرين في يومنا هذا».
أما المواطن أحمد عبدالله بغداد، الذي افتتح منذ تسع سنوات، محلاً خاصاً لبيع الأسماك الطازجة والمملحة والمجففة، مستثمراً خبرته الكبيرة في صيد السمك.
ففصل طريقة صنع (المالح) قائلاً «يعد (المالح) من أسماك مختلفة، وأهمها سمك الكنعد، وسمك القباب ذو الحجم الصغير والكبير، وسمك الصد من الحجم الصغير، ويقطع رأس السمك وذيله، ومن ثم تقطيعه بالطول إلى نصفين، وشقه من الداخل بخطوط طولية، وفي حال كانت السمكة كبيرة تقسم إلى قطع، أما الصغير فلا يقطع، وتنظف السمكة من خلال استخراج أمعائها، ومن ثم إضافة الملح بكميات لا يدركها إلا من تمرس في إعداد (المالح)»، لافتاً إلى أنه لا يتم غسل السمك عند استخدامه للـ(مالح)، لأن الغسل يفقد السمك القدرة على إفراز الماء، الذي يساعده على الحفظ، في ظل كمية الملح المضافة له والتي تساعد على إفراز الماء، ويحفظ السمك بعد ذلك في عبوات خاصة، توضع في الشمس لمدة ثلاثة أشهر في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فتوضع من أربعة إلى خمسة أشهر.
وعن طريقة إعداد (المالح)، كطبق غذائي، قال عبدالله «تخرج قطع (المالح) من الماء وتغسل مرتين، ومن ثم سلقها، وتقطيعها إلى قطع صغيرة الحجم، ويعاد غسلها حتى يتم التوصل إلى كمية الملح المناسبة المرغوب فيها، لتأكل فيما بعد مع الأرز الأبيض والبصل والليمون، وقد تستخدم في إعداد (المردودة)، وهي تشبه (الصالونة)، إلا أنها تتميز بكثرة استخدام البصل فيها، كما يتم تقديم المالح مع أرز (المحمر) لكسر طعم السكر فيه وغيره»، مشيراً إلى أنه في السابق كان يفضل أكل (المالح) في موسم توافر الرطب والليمون، أما في الوقت الحالي في ظل توافر جميع المنتجات في غير مواسمها فأصبح أكله لا يقتصر على موسم معين، فضلاً عن أنه تم إدخاله في ابتكار أصناف مختلفة.
جزيل الشكر والتقدير على المعلومات