ووفقاً للدراسة، سجلت الأسر الثرية في منطقة الخليج نمواً قوياً بين الأعوام 2024 و2013 مع ارتفاع عدد مجموع الأسر بما يُقارب 50%، أي من معدل تقديري تراوح بين 850000 و880000 في العام 2024 وبين 1.25 مليون إلى 1.325 مليون. وكونت الإمارات الثروة الأكبر في بلدان الخليج ورفعت نسبتها من الأسر الثرية من 16 إلى 26 % بين الأعوام 2024 و2013.
ومنذ عام 2024 إلى عام 2024 زادت السوق الخليجية مجموع ثرواتها الخاصة بنسبة الضعفين، فارتفعت من 1.1 تريليون إلى 2.2 تريليون دولار بإجمالي معدل نمو سنوي مركب بلغ 17.5%، ما يجعلها سوقاً أكثر أرباحاً بالنسبة إلى أصحاب مصارف الخدمات الخاصة المحليين منهم والعالميين،
فئات الثراء
وفي هذا السياق، قال د. دانيال ديمرز، أحد الشركاء في شركة «ستراتيجي &» في دبي إن: «الأثرياء (أصحاب الرصيد المالي الضخم HNWIs) ما زالوا يشكلون الجزء الأكبر من الثروات الخاصة في المنطقة مع امتلاكهم نسبة 41% منها يليهم فاحشو الثراء (أصحاب الرصيد المالي الفائق UHNWIs) مع 34%؛ غير أن فئة الموسرين شهدت النمو الأسرع لها خلال السنوات الخمس الأخيرة بلغت نسبته 21% بمعدل النمو المركب السنوي، أي ما يفوق الضعفين بالدولار، مسجلاً بذلك ارتفاعاً من 261 ملياراً سنة 2024 إلى 560 ملياراً سنة 2024. غير أنه خلال الفترة الزمنية عينها، بالكاد كان تكوين الثروات هزيلاً بالنسبة إلى أثرياء المنطقة الذين سجلوا نمواً نسبته 76%، وإلى فاحشي الثراء الذين سجلوا 94%».
أرباح الأسهم
ويشير جهاد خليل، مسؤول أول في شركة «ستراتيجي &» في دبي قائلاً: «تدفع القوة الاقتصادية الكلية والقوة الاجتماعية الديموغرافية القويتان قدماً بنمو الأسر الثرية في الخليج. وشكل الانتعاش الشديد في أسواق الأسهم العالمية أحد المحركات الأساسية لهذا الدفع بعد أن أسهمت على نحو متزايد التخصيصات الجريئة التي قام بها أثرى أثرياء الخليج في استردادهم القيمة المتهالكة خلال الأزمة. فقد حققت الأسهم العالمية أرباحاً بلغت نسبتها 50% بين الأعوام 2024 و2013. ومن الزيادة الصافية في الثروات البالغة 1 تريليون دولار في تلك الفترة، نقدر أن تأثير نهوض الأسهم العالمية على الثروة الحالية ناهز 40% من تلك الأرباح.
أما النسبة المتبقية من صافي الثروات الجديدة البالغة 1 تريليون دولار وهي 60%، فقد حركها النمو الإقليمي لإجمالي الناتج المحلي في بلدان الخليج الذي حقق ارتفاعاً مطرداً بمعدل متوسط نسبته 10% سنوياً في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط ومن ثم حافظت على ثباتها على مستويات شبه قياسية خلال عام 2024. واستفادت الحكومات من هذا الكسب المفاجئ للإنفاق بسخاء على المشاريع العملاقة، والبنى التحتية، واستحداث الوظائف، ما أسهم في تحقيق دخل إضافي للأثرياء وكون جيلاً جديداً من المواطنين والمغتربين الموسرين الجدد».
الأحداث الجيوسياسية
كما تُظهر الدراسة أن الأحداث الجيوسياسية زادت من هجرة الثروات الجديدة إلى المنطقة، فمنذ مطلع الربيع العربي وفي أعقابه، هاجرت أسر ثرية كثيرة في المنطقة إلى البلدان الأكثر استقراراً مثل الإمارات ونقلت أيضاً جزءاً كبيراً من ثروتها إلى المصارف الإقليمية أو الأجنبية العاملة في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي انتقلت إليها. وكان لهذه الظاهرة الإقليمية أن صبت بشكل خاص في مصلحة الإمارات العربية التي شهدت الموجات الأبرز من الأسر المهاجرة الوافدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكبرى.
إضافةً إلى ذلك، أسهم نمو الاقتصاد الكلي البطيء في العالم الغربي، إلى جانب الاضطرابات في قطاع الخدمات المالية الدولية، إلى حد معين في عودة رؤوس الأموال إلى بلاد المنشأ، بما فيها بلدان الخليج.
الخدمات الخاصة
كشفت الدراسة النقاب عن المشكلات الرئيسة التي يعاني منها قطاع الخدمات المصرفية الخاصة الإقليمي رغم طفرة الثروات الخاصة الإقليمية، فبالرغم من أن انتعاش أسواق الأسهم قد أنعم على العملاء الأثرياء، إلا أن أصحاب مصارف الخدمات الخاصة لم يحصدوا من هذه الأرباح سوى القليل من العائدات الإضافية. واقع الأمر أنه حين تَثبُت الأموال على مستواها ولا يتم تغيير تخصيصات الأصول بفعل عدم تغير مستوى الإقدام على المخاطرة أو التوقعات بشأن توجهات السوق، سيتناقص مدخول أصحاب مصارف الخدمات الخاصة من العمولة فيما تقل عمليات إعادة التخصيص أو الاكتتاب الجديدة.
وتتمثل المشكلة الثانية في المنافسة الشرسة وانعدام العروض المتنوعة، فمع نمو الثروات في بلدان الخليج، بات المزيد من مصارف الخدمات الخاصة المحلية والعالمية تدخل سوق الخدمات المصرفية الخاصة بعروض غير متنوعة. وقد تقع المسؤولية في ذلك على عاتق هذه المصارف بما أن المستثمرين الخليجيين أضحوا انتقائيين ومتطلبين بدرجة أكبر، كما عجزت مصارف الخدمات الخاصة المحلية عن تطوير عروضها بحيث تلقى رواجاً بين الفئات العليا من الأثرياء وفاحشي الثراء أو عن التميز في السوق على نحوٍ كبير.
وأضاف خليل قائلاً: «مع أن هذه المشكلات ليست جديدة، إلا أنه من الملح معالجتها وإيجاد الحلول لها بما أن المنافسة تزداد والعملاء الأثرياء أصبحوا أكثر تطلباً، فهُم يرغبون بنظام تبليغ أفضل، وإمكانية وصول محسنة، والمزيد من الشفافية، لتلبية هذه المطالب وتوفير تجربة تركز فعلاً على العميل، لا بد لمصارف الخدمات الخاصة من الاستمرار في الاستثمار بقوة في التكنولوجيا وفي موازاة ذلك تكييف أهدافها والنماذج التشغيلية لديها لتركز أكثر على العميل وتكون رقمية».
تحديات مصرفية
يواجه أصحاب مصارف الخدمات الخاصة مجموعة من المشكلات ذات الصلة بخدمة العملاء التي تؤثر على العائدات الصافية والإجمالية. وتشمل هذه المشكلات: تكاليف موروثة مرتبطة بنماذج تشغيلية قديمة واستراتيجيات تغطية تقليدية ما زالت معتمدة في الفروع، وخدمات استشارية بسيطة تفتقر إلى عروض مميزة ومكيفة بحسب فئة العملاء واحتياجاتهم المرحلية، و نُظم تبليغ قديمة وصعبة التكييف.
ويكمن التحدي الآخر في تفاقم الضغوط التنظيمية لا سيما أن الهيئات الناظمة المحلية في بلدان الخليج باتت أكثر صرامةً،
فرص مغرية في بلدان مجلس التعاون
عرضت الدراسة مجالين اثنين يزخران بالفرص الهامة لمصارف الخدمات الخاصة ومديري الثروات يتمثلان في: استهداف فئة الموسرين، واستهداف فئات الأثرياء الفرعية الأكثر جاذبية.
فئة الموسرين
تسلط الدراسة الضوء على الموسرين باعتبارهم فئة الثروات الأسرع نمواً في بلدان الخليج. وتقدم هذه الفئة لمصارف الخدمات الخاصة فرصاً أفضل وطويلة الأمد بما أن حديثي الثراء سوف يسعون إلى بناء علاقات مصرفية ممتازة للمرة الأولى ويعدون باعتلاء هرم الثروات أكثر فأكثر.
وتقترح الدراسة مقاربةً من أربعة محاور تساعد مصارف الخدمات الخاصة المحلية في الخليج على تحقيق النجاح في سوق الثروات المعروفة بأنها متطلبة وحساسة لناحية الأسعار. وتشمل هذه المقاربة: (1) تقديم عروض متنوعة جداً؛ (2) توفير متناغم للمنتجات والخدمات واختراق أكبر للمنتجات عبر اعتماد استراتيجية السحب؛ (3) رقمنة إجراء استقطاب وانضمام العملاء بشكلٍ يبسط عمليات الالتزام؛ (4) الانتقال إلى نموذج تغطية ذكي وشديد التكيف يتيح للعملاء التنقل وإجراء المعاملات بسلاسة عبر قنوات متصلة أو غير متصلة بالإنترنت.
فئات فرعية
وتتجلى الفرصة الكبرى الأخرى السانحة أمام مصارف الخدمات الخاصة بالتركيز على فئات فرعية محددة من الأثرياء في الخليج غالباً ما يتم تجاهلها أو خدمتها على نحو غير ملائم. وتتضمن هذه الفئة النساء المستثمرات، وأصحاب المشاريع، والجيل الجديد من الأسر الفاحشة الثراء أو وَرَثتها. وتطلب هذه الفئات الحصول على خدمات استشارية أكثر تطوراً ومكيفة بحسب طلبهم، فضلاً عن منتجات محسنة ومستهدفة وعروض خدماتية مصممة وفقاً لاحتياجاتهم، ونمط حياتهم، وسلوكهم.
وقالت الدراسة: لمن يرغب من مصارف الخدمات الخاصة باجتذاب شريحة أوسع من الفئات الفرعية، تقترح الدراسة مقاربةً من أربع خطوات تضم: استخدام معايير محددة لتقسيم الأثرياء إلى فئات فرعية إضافية؛ ودراسة الخصائص الديموغرافية المحلية لتحديد أي من هذه الفئات الفرعية بمقدور المصرف خدمتها بشكلٍ أفضل من ناحية الربحية والقدرات الداخلية؛ وتكييف عروض ملائمة وجذابة للفئات الفرعية؛ والتحول إلى تغطية ونماذج خدمية مرنة، تركز على العميل، ولا ترتكز على الفرع المصرفي ت.
تطوير القدرات
وأفاد ديمرز قائلاً: «لا بد للمصرف من تطوير القدرات الملائمة، إذ لم تعد مقاربة «نهج واحد للجميع» مقاربةً ناجحة. ومن الأهمية بمكان، بالتالي، أن يدرك مصرف الخدمات الخاصة بوضوح ما هي الفئات التي سيستهدفها قبل تطوير القدرات الاستراتيجية المطلوبة.