
ترتبط بلجيكا، التي تعد ملتقى أوروبا الاقتصادي والسياسي والبلد المضيف لمقر الاتحاد الأوروبي، مع دولة الإمارات العربية المتحدة بعلاقات وطيدة طويلة الأمد. وتتعمق هذه العلاقات بالنظر إلى أوجه التشابه بين البلدين في الملامح السياسية والدستورية والاقتصادية.
وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء العلاقات المتينة التي تربط بين البلدين والتي يعود تاريخها إلى عدة عقود. فهناك تشابه بين البلدين في جميع المجالات، إذ أن كلاً من البلدين يعتمدان في اقتصادهما على الانفتاح على التجارة باعتبارهما ملتقيين إقليميين للتجارة والنقل بحسب صحيفة أرابيان بيزنس.
ومن الناحية السكانية، يبلغ عدد سكان بلجيكا 11 مليون نسمة، في حين يزيد عدد السكان في دولة الإمارات على 9 ملايين نسمة. ورغم أن حرارة الصحراء المرتفعة في الإمارات قد تقف على النقيض من السماء الملبدة بالغيوم الممطرة في ملتقى اليورو، إلا أن اقتصاد البلدين يبقى متقارباً إلى حد كبير. فعلى الصعيد الاقتصادي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الأحدث لبلجيكا ما يزيد على 500 مليار دولار أمريكي، في مقابل 400 مليار دولار أمريكي هي الناتج المحلي الإجمالي لنظيره الإماراتي في الشرق الأوسط.
وقد عرفت علاقات البلدين، التي ترجع إلى السبعينات، تطوراً سريعاً في أعقاب نيل دولة الإمارات لاستقلالها. فقد تم إرسال أول سفير لبلجيكا في دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1978. في ذلك الوقت، شعرت الحكومة البلجيكية أنه من المهم أن يكون لها تمثيل في هذه الدولة الخليجية. وقد أدركنا أوجه التشابه بين نظامي البلدين ورأينا فرصاً تشاركية للعلاقات الثنائية في قطاعات محددة تتمتع بأولوية خاصة.
ومنذ ذلك الحين، حققت العلاقات الاقتصادية الثنائية بعض النتائج المبهرة في مجال استيراد وتصدير المعادن الثمينة والأحجار، بالإضافة إلى الآلات والمعدات والمعادن الأساسية.
وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، شهدت الصادرات البلجيكية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة زيادة بنسبة 18%، مقارنة بنفس الفترة من العام 2024، وقد بلغت قيمة هذه الصادرات 2.6 مليار يورو وهو ما يمثل 33% من إجمالي الصادرات البلجيكية إلى الدول العربية. وبالتالي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الشريك الاقتصادي الرئيسي لبلجيكا في العالم العربي.
ومن ناحية أخرى، عندما نقارن علاقات بلجيكا وبلدان أوروبية أخرى مع العالم العربي، يمكننا أن نرى أن بلجيكا تعد حتى الآن الشريك الرئيسي حسب معدل نصيب الفرد. فتبادلات بلجيكا لكل فرد في العالم العربي للعام 2024 بلغت 1,757 يورو مقابل 824 يورو لفرنسا التي تحتل المرتبة الثانية.
وبالنظر إلى مدينة أنتويرب ثاني أكبر مدن بلجيكا – وثاني أكبر تكتل لصناعة البتروكيماويات في العالم – فإن ميناء هذه المدينة يعد بوابة رئيسية لشمال وغرب أوروبا. وبالمثل، تعتبر دبي ملتقى النقل البحري الرئيسي لأسواق الشرق الأوسط ورابطاً قوياً بين آسيا وأوروبا.
ويجعل ميناء أنتويرب مع موانئ زيبروغ وجنت ولييج، فضلاً عن بنى النقل التحتية ذات الجودة العالية، من بلجيكا البلد الأفضل من ناحية اتصالها بالبلدان الأخرى في أوروبا، والموقع المفضل للخدمات اللوجستية في أوروبا. كما أن موانئ دبي العالمية هي أكبر محطة وميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط، مع محفظتها الإماراتية التي تضم أكبر سفن ميناء جبل على، باعتبارها مستثمراً رئيسياً في ميناء أنتويرب ولييج.
كما أن بلجيكا تعد وجهة المثلى للاستثمارات، وذلك بفضل الأعمال التجارية الجاذبة للمستثمرين والبيئة المالية المناسبة، ونظراً لوضعها في قلب السياسات الأوروبية. وبسبب موقعها الجغرافي المركزي إلى جانب شبكات نقلها المتطورة وقواها العاملة ذات الثقافات المتعددة، تختار العديد من الشركات بلجيكا كبوابة رئيسية لها نحو السوق الأوروبية.
وإلى جانب هذا وذاك كانت بلجيكا أحد الموردين الرئيسيين لقطاع البناء والتشييد في الخليج. وتشمل قائمة عملائها العديد من المباني الشهيرة، مثل قصر الإمارات في أبوظبي، وبرج خليفة في دبي وهو المبنى الأطول عالمياً (مشروع مشترك مع شركتين أخريين). وقد وُظفت شركات بلجيكية لتجريف الأراضي للقيام بالإنشاءات الكبرى المتعلقة بمشاريع استصلاح الأراضي، بما في ذلك إنشاءات جزيرة النخلة – جميرا والجزر الاصطناعية لحقول النفط البحرية في أبوظبي (سطح الرزبوت).
كما أن البلدين يبحثان عن فرص للعمل بشكل وثيق في المستقبل، ولا سيما في مجال التكنولوجيات المستدامة والرعاية الصحية. وقد كانت بلجيكا في طليعة الدول الأوروبية الطموحة لتطوير تقنيات الرعاية الصحية والطاقة الصديقة للبيئة في حين أن دولة الإمارات تمتلك مخططات لمشاريع طموحة في هذه المجالات. إن هناك العديد من الفرص في هذا القطاع، كتطوير تكنولوجيات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح، والمباني الموفرة للطاقة.
وفي تقرير التنافسية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل بلجيكا باستمرار إحدى المراتب الثلاث الأولى بين الدول في مجال الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى الطلب على المستشفيات الحديثة والمعدات والخدمات الطبية المتخصصة بشكل كبير في دول مجلس التعاون الخليجي ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص في المستقبل القريب.
وتشير بعض التقديرات أنه بحلول عام 2050 سوف تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى 140,000 من أسرة المستشفيات الإضافية، هذا فضلاً عما يرتبط بها من المعدات الطبية ذات التقنية العالية. وبالنظر إلى احتياجات الرعاية الصحية في دولة الإمارات وطموحها لتوفير رعاية صحية ذات جودة عالية لسكانها، فإن البلدين يريان إمكانية لمزيد من التطور والتنمية في هذا القطاع.
من جانب آخر، تتعدى العلاقات بين البلدين مستوى العلاقات التجارية إلى أنشطة ثقافية تربط بين المجتمعين البلجيكي والإماراتي. فكلية الملكة إليزابيث الموسيقية ترتبط باتفاقية تعاون مع مؤسسة أبوظبي للموسيقى والفنون. وقد ظهرت المواهب الأوبرالية والموسيقية البلجيكية في عدة محافل لعرض الأعمال الفنية في جميع أنحاء الإمارات.
وبالإضافة إلى الفرص الاقتصادية، هناك إمكانية لتطوير علاقات أكثر عمقاً على المستوى السياسي. فالعائلة الملكية تربطها علاقات معرفة وطيدة مع العائلة الحاكمة في الإمارات، ولا أدل على ذلك من أن آخر زيارة لصاحبة السمو الملكي الأميرة استريد من بلجيكا إلى الإمارات كانت في العام 2024. ومن المقرر أن تقوم المؤسسة الملكية البلجيكية بتعزيز اتفاقيات ثنائية خلال اجتماعات أخرى تم التخطيط لتنظيمها في مارس2020.