وتتميز الإمارات ببيئتها المتفردة، التي أعطت مذاقاً خاصاً لأصناف الطعام المنتشرة فيها، خاصة أنها جمعت بين السمات الساحلية، التي تعتمد فيها على الأسماك كغذاء رئيسي، وغذاء أهل الصحراء الذي يعتمد على اللحوم والألبان، كمصدر متوفر في هذه البيئة.
وللبحث في عادات الغذاء الإماراتية، يأخذنا علي المطروشي مستشار التراث والتاريخ المحلي بدائرة التنمية السياحية في عجمان، لنبحر في هذا العالم الشهي، نعرف فيه أصنافاً ربما لم نعهدها من قبل، كما نلقي نظرة على أهل الإمارات قديماً، كيف كانوا يأكلون، وإلى أي مدى تعايشوا مع البيئة المحيطة آنذاك.
بداية أوضح المطروشي أن المواد الغذائية قديماً، كانت تحظى بأهمية كبيرة، وذلك لعدة أسباب منها، صعوبةُ تحصيل لقمة العيش، وانتشار الفقر بين كثير من السكان، بالإضافة، لمرور المنطقة بمجاعات في أزمنة تاريخية متقطعة، آخرها كان في فترة الحرب العالمية الثانية،(1939– 1945)، مضيفاً أن الإسلام حث على الاقتصاد في المعيشة..
والحفاظ على الخيرات الموجودة، ولذلك كان الناس يصفون الطعام بأنه (نعمة الله)، ويستنكرون رمي بقايا الطعام، أو التخلص منه بطريقة غير لائقة، باعتبار ذلك إهانة للنعمة مما يُنذر بزوالها.
وأضاف أن هناك أصنافاً متنوعة للطعام، كان يعتمد فيها السكان قديماً على المواد الغذائية المتوفرة من خلال البيئة المحيطة بهم، من تمر أو طحين أو حليب، أو من خلال مواد كانت تأتي لهم عن طريق البحر من الدول المجاورة.
الريوق (الإفطار)
وبين أن الريوق هي إحدى أهم الوجبات اليومية، وتتكون في معظمها من الخبز (الرقاق، الخمير، الجباب)، وفيها يتم دهن الخبز بالسمن البلدي، وتحليته بالسكر، أو غمسه في الدبس أو العسل..
وكانت تتوفر مخابز لخبز الخمير، ويتم طلاؤه بالبيض أو بالمهياوة (المشاوا) حسب الرغبة، والدنقو (الحمص المسلوق)، والباجلة (الباقلاء هو الفول المسلوق)، وبيض الدجاج ويؤكل إما مقلياً (قرص بيض)، أو مسلوقاً داخل دلة القهوة، والبلاليط (الشعيرية) بالبيض أو بالبصل أحياناً، ويتم تناول الريوق اعتباراً من فترة ما بعد صلاة الفجر وحتى الضحى.
الأسماك أولاً
وشرح أن وجبة الغداء تتكون في الأيام العادية من العيش (الأرز) والسمك والتمر، وهناك العديد من الطرق لطبخ العيش، منها العيش الأبيض مع السمك المشوي، أو المرق (الصالونة) أو المقلى، أو السحناة (مسحوق السردين المجفف)، والعيش البرنيوش (المحمر)، وهو يطبخ بالدبس أو السكر المحمر، ويؤكل مع السمك المشوي، والبعض يطبخ معه المرق..
والمودّم (المجبوس أو الجابسة)، أما اللحم والدجاج فكانت تعتبر مصادر ثانوية للإدام، وتؤكل في المناسبات فقط، ومن أصناف الخضار التي كانت تؤكل على الغداء قديماً، الرويد (الفجل)، والمَضية (البصل الأخضر).
العشاء بالروب
وعن هذه الوجبة ذكر أنها تتكون من العيش والسمك أيضاً، وكان يترك جزء من وجبة الغداء، ويحفظ داخل التنور لتناولها كعشاء، وهناك بعض الناس يأكلون الروب مع العيش، وخاصة كبار السن، وكان غالبية الأسر تربي الماعز والأغنام في البيوت، فكانوا يُحضّرون الروب من اللبن المخيض، وعادة ما يتم تناول طعام العَشاء في الفترة ما بين صلاتي المغرب والعِشاء.
ولائم الضيافة
وبين المطروشي أنه كانت هناك مناسبات تقام فيها الولائم في الماضي، كاحتفالات العُرس، أو قدوم ضيوف (خُطّار) وتعني النجاة من خطر محقق، أو عودة إنسان غائب، إضافة إلى إنجاب مولود بعد يأس أو تخرج أحد الأبناء من مدرسة المطوع، وكانت أهم الأطعمة المقـدمة، العيش واللحم ــ الهريس ــ الخبيص ــ العصيد – الحلوى العمانية – الفقاع (لقمة القاضي).
شهر الصيام
وقال إن شهر رمضان المبارك يعتبر دائماً موسماً سنويا للعبادة، ولكنه من جانب آخر موسم للتفـنن في الأطعمة والمشروبات، مما ينعكس على انتعاش سوق المواد الغذائية..
وفيه تحضر النساء أنفسهن وخدمهن جيداً، لإعداد الأطباق المختلفة من الأكلات الشعبية، موضحاً أن شهر رمضان فيه شيء من الإسراف من حيث الأصناف والكميات، وهو سلوك عام في مختلف بلدان العالم الإسلامي، والدافع الرئيسي وراءه هو الرغبة في التعويض عن الحرمان من الغذاء طوال النهار، والحرص على تبادل الأطباق مع الجيران.
الحلويات العمانية
وأوضح أن السفرة الإماراتية عرفت قديماً أنواعاً من المأكولات الحلوة، وكانت هناك بعض الدول التي ترتبط معها الإمارات بعلاقات متينة وقديمة، كسلطنة عمان والهند، كانت تتميز بأصناف كثيرة من الحلويات، انتقلت منها إلى الدولة.
ومن أهم تلك الحلويات (الحلوى العمانية التي تصنع من خلاصة البُر (النشا) والسكر والسمن البلدي وماء الورد والهيل والزعفران، وتزين باللوز والفستق، وهناك حلوى الساقو، وفيها تُطبخ حبوب الساقو المنقوع في الماء المغلي مع الزعفران والهيل والسكر حتى يصبح قوامه غليظاً، ويؤكل ساخناً وبارداً، كما يوجد أيضاً حلوى الرهش (الحلاوة الطحينية)، والمنفوش ويسميه البعض (لحية الشيبة)، بسبب التشابه الكبير بينهما.
ويضاف إلى ذلك أصناف أخرى، كالزليبيا (الزلابية)، وهي من السكر والطحين والخميرة، والقبّيط الحالي، ويصنع من عسل النحل مع السمسم، والسكرلمّة..
وهي أقراص تشبه كعك العيد الذي يصنع في البلاد العربية، إضافة إلى (كل واسكت) وهي خليط من السكر والفول السوداني، ملبَّس أبوظبي وهو خليط من السكر والطحين، وملبّس من الخارج بالسكر، وكان يصنع في أبوظبي بصفة خاصة، والحبة منه في حجم بيضة الدجاجة.
أطباق رمضانية
قال علي المطروشي، إن الجميع وبشكل عام كانوا يشتركون في الإفطار على الرطب أو التمر والماء، اتباعاً للسنة النبوية الشريفة، ثم يتناولون لاحقاً بقية الأصناف، وفي الغالب كان يقتصر فطور الأسر الفقيرة على التمر والماء والأرز والسمك واللقيمات، أما الأثرياء فبإمكانهم – إضافةً إلى ما سبق- إعداد الهريس والثريد والفَرني والعصيد.
وتساعد عملية تبادل الأطباق مع الجيران، على إغناء المائدة بأصناف متعددة، مضيفاً أن الفقير يكون محظوظاً، إذا كان مجاوراً لأحد الأثرياء المُحسنين، حيث يتلقى في كل يوم طبقاً من الطعام قبل الإفطار.