قد يشكل قطاع تكنولوجيا المعلومات أحد مفاتيح الحل لمعضلة البطالة المستشرية بين الشباب في المنطقة العربية، والتي جاءت في المرتبة الأولى في العالم بين معدلات البطالة في هذه الفئة العمرية الحرجة، مسجلة 25.1 بالمئة في المنطقة مقابل معدل عالمي يبلغ 12.6 بالمئة، وذلك بحسب رواد وقادة الأعمال العرب الذين توافدوا على مؤتمر دافوس الاقتصادي في عطلة نهاية الأسبوع الحالي لمناقشة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العالم والمنطقة وكيفية بناء غد أكثر إشراقا واستدامة للأجيال المقبلة.
ويُجمع الكثيرون أن حل مشكلة البطالة يحتاج جهودا حثيثة على كافة المستويات من حيث مخرجات التعليم وإيجاد دورة اقتصادية إيجابية تخلق ملايين من فرص العمل سنويا، وهي تحتاج إلى تعاون القطاعين العام والخاص.
وقد يبدو أن تأسيس مثل هذه الدورة الفاضلة ذات التأثير الإيجابي على مستقبل المنطقة العربية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والذي يجب أن يستمر ويتزايد ويتسارع مع الوقت، قد يبدو مثل هذا الأمر صعبا وشاقا جدا.
ولكن قد يكون قادة الأعمال العرب قد اقتربوا أكثر من إيجاد جزء من حل تلك المشكلة. ويبدو أن الكلمة السحرية في مؤتمر دافوس هذا العام هي “التكنولوجيا”. كما يوجد توافق بين المؤثرين في القطاع الاقتصادي العربي حول دور “الاقتصاد الرقمي” كطريق نحو إجابات كثيرة لحل تلك المعضلة.
ويقول داني فرحه، الرئيس التنفيذي في “بيكو كابيتال”، وهي إحدى شركات الاستثمار الإقليمية التي تقدم التمويل للشركات الناشئة في قطاع تقنية المعلومات في المنطقة العربية، والذي يشارك في هذه النقاشات الهامة في ما أصبح واحدا من أهم المؤتمرات الاقتصادية على الخريطة العالمية: “إذا كنا سنختار موضوعا رئيسيا واحدا يثير الجدل في مداولات هذا العام في دافوس، فأنا شخصيا سأختار موضوع البطالة المستشرية بين الشباب. فمشكلة البطالة تعزز الفروقات بين الأغنياء والفقراء على مستوى الأفراد والدول، خاصة في المنطقة العربية التي للأسف حققت المركز الأول في العالم في هذا المجال.”
وإذا ما حافظت البطالة على معدلاتها الحالية، سيصبح لدى المنطقة العربية 149.5 مليون عاطل عن العمل من بين تعدادها السكاني الذي يتوقع له أن يصل إلى 598 مليون نسمة في عام 2050. وهذه “حقيقة مرعبة” وفقا لـداني فرحه.
ويؤكد داني فرحه “أن المزيد من الاستثمارات في التكنولوجيا وفي الاقتصاد الرقمي على الصعيدين الخاص والحكومي، سيساعد على المديين المتوسط والطويل، في تقليص المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المرتبطة ببطالة الشباب. ومثل هذه الاستثمارات ستسهم في خلق عدد أكبر من الوظائف، وليس هذا فحسب بل نوعية أفضل من الوظائف أيضا. ففي الوقت الحالي، يبلغ معدل استثمارات المنطقة العربية في الشركات الناشئة بالنسبة للفرد سنويا أقل بعشر مرات من الهند وأقل بـ 15 مرة من الصين و35 مرة أقل من أوروبا و200 مرة أقل من الولايات المتحدة الأميركية.”
ويضيف داني فرحه: “لقد عملت الحكومات وكبرى الشركات في المنطقة كل ما يستوجب عمله لتحفيز توليد المزيد من الوظائف، وقد حان الوقت لكي نردم الفجوة بيننا وبين بقية العالم ونعزز استثماراتنا في قطاع التكنولوجيا من خلال دعم الشركات التي تستطيع أن تستثمر وتُدرب وتدعم وتحقق قيمة كبرى وتخلق وظائف مفيدة وتسهم في تحسين الحياة في منطقتنا.” وهذا بالضبط ما تفعله “بيكو كابيتال”، فهي تدعم شركات التكنولوجيا الواعدة والتي تمتلك القدرات والرؤية لتصبح من الرواد في قطاعها في المستقبل ولكن ينقصها التمويل والدعم في مجال الأعمال والعمليات، حيث تقوم “بيكو كابيتال” بتمويل نمو تلك الشركات في المراحل الأولية وتزودها بالدعم المتخصص في مجال التشغيل والمجال الفني، وهذا بدوره يولد المزيد من الدخل والوظائف والنمو، أي يؤسس لدورة إيجابية وصحية من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية.
ويوضح داني فرحه: “إن ترسيخ قطاع التكنولوجيا في نظامنا الاجتماعي والاقتصادي يمنحنا مزايا متعددة الأبعاد، ليس أقلها الكفاءة والشفافية وجودة حياة أفضل. وبالنسبة لي، فإن الأمر الجدير بالاهتمام يكمن في المساهمة الكبيرة التي ستحققها التكنولوجيا في مجال خلق الوظائف ونمو الناتج المحلي الكلي على المستوى الوطني.” ولإثبات ذلك، يعطي داني فرحه مدينة كيمبردج في المملكة المتحدة كمثال على ذلك والتي كانت تشتهر بكونها أفضل مكان للدراسة، ولكنها قررت منذ أقل من عقد مضى أن تفتح أيضا أبوابها للمستثمرين والرواد والمبادرين في مجال التكنولوجيا الذين يودون إنشاء شركاتهم الصغيرة الخاصة. واليوم، توظف المدينة 57,000 شخص في شركات التكنولوجيا والتي تصل قيمتها المؤسسية حوالي 50 مليار دولار أميركي تقريبا. ولكي نوضح أكثر، فإن إحدى الشركات الكبرى العاملة في التصنيع والتي توظف 50,000 شخصا تصل رسملتها السوقية إلى 20 مليار دولار أميركي.
وكمثال من المنطقة، لدى “بيكو كابيتال” علاقة وثيقة مع عشر شركات مختصة بالتكنولوجيا في المنطقة العربية. هذه الشركات مجتمعة لديها 2,600 موظف وقيمة مؤسسية تتجاوز 2.5 مليار دولار أميركي كما تُولد أكثر من 800 مليون دولار أميركي من الإيرادات السنوية حاليا. وهذه الشركات إما أنها لم تكن موجودة على الساحة منذ خمس سنوات أو، في حال كانت موجودة، فهي كانت ما زالت وليدة أو جديدة وكان يعمل فيها قلة قليلة من الموظفين يولدون إيرادات قليلة جدا. وقطاع التكنولوجيا هو واحد من القطاعات القليلة التي تستطيع أن تحقق مثل هذا التأثير وبهذه السرعة وبرأس مال قليل.
يقول داني فرحه: “إن هذه القدرة على مضاعفة الإيرادات بهذا الشكل هي ميزة حسابية قوية جدا. عندما تنمو، تحقق هذه الشركات نموا يتراوح ما بين 50 و150 بالمئة سنويا حيث نشهد حاليا إنشاء ونجاح المزيد من تلك الشركات. بإمكاننا أن نفهم كيف يمكن لـ 800 مليون دولار أميركي أن تنمو لعدة مليارات من الدولارات من الإيرادات السنوية في سنوات قليلة لتضاعف تلك الشركات عدد موظفيها وقيمتها المؤسسية على نحو مماثل.”
ويؤكد داني فرحه: “تولد شركات التكنولوجيا هذه الوظائف كما تسهم بشكل تراكمي في الاقتصاد، وهذه أيضا ميزة ينفرد بها قطاع التكنولوجيا. وفي حين أن مثل تلك الشركات قد تسبب بعض التقلبات والتغيرات في قطاعها أحيانا، إلا أنها في غالبية الوقت توفر قيمة جديدة وتخلق طلبا جديدا لم يكن يتم تلبيته في السابق من قِبل الشركات التقليدية في الاقتصاد التقليدي. وفي أكثر الأحيان تكون تلك الوظائف الجديدة في شركات التكنولوجيا إدارية ومكتبية وتقنية ومتخصصة، وقد يصل متوسط رواتبها من خمسة إلى عشرة أضعاف الوظائف اليدوية الدنيا. وهذا يعني أن الـ 2,600 موظف يعادلون ما بين 10,000 إلى 20,000 موظف كانوا عادة سيشغلون الوظائف في الاقتصاد القديم في مجالي الصناعة والإنشاءات. وهؤلاء الموظفين الجدد سيتمتعون بقدرات شرائية أعلى بحيث يشترون السيارات والبضائع الاستهلاكية والمنازل، أينما كان ذلك ممكنا، كما سيكون بإمكانهم الإنفاق على عائلاتهم الممتدة.”
ويعطي داني فرحة أمثلة عن بعض الشركات الرقمية التي لا تحدث تغيرات جذرية في القطاع والتي وفرت وظائف جديدة دون التخلص أو التأثير على وظائف كانت موجودة سابقا: “لربما تكون شركة Propertyfinder.com قد أخذت من بعض أعمال الصحف وأثرت على الطلب على جزء منها، ولكن نظرا لعدم وجود مطبوعات مخصصة للإعلانات المبوبة في منطقتنا، مكنت Propertyfinder.com المستهلكين من بيع وشراء وتأجير العقارات من السماسرة والمطورين عبر وسيلة لم تكن من قبل متاحة للمستهلكين.”
وأضاف: “إن مثل هذه الخدمة الإلكترونية أكثر فعالية لكافة المعنيين، فهي تمكن من إنجاز المزيد من التعاملات في نفس الإطار الزمني، الأمر الذي يسهم إيجابيا وعلى نحو تراكمي في الاقتصاد ويسمح بإجراء عدد أكبر من التعاملات سنويا.”
شركة “كريم” المختصة بخدمة حجز السيارات هي مثال آخر على توفير استخدامات جديدة للمستهلكين الذين لم يكونوا يستخدمون وسائل نقل شخصية أو عامة حتى أتيح لهم خيار التنقل الذي تقدمه خدمة “كريم” والتي تتسم بالسهولة والتكلفة المعقولة والأمان والعملية. وقد بات الأطفال والمراهقون وكبار السن والذين كانوا سابقا يحتاجون إلى سائق أو إلى سيارة ثالثة يلجأون لخدمات “كريم” عوضا عن البقاء في المنزل.
وفي المحصلة، ستساهم الجهود المبذولة على المستويات الحكومية والخاصة، إن من حيث وضع أطر وقوانين محفزة أو إيجاد المزيد من الاستثمارات في الشركات الناشئة، في خلق نوعية جديدة من المستثمرين والمبادرين في مجال التكنولوجيا وتشكيل أحد العوامل التي ستردم الهوة بين بطالة الشباب والتفاوت في المستوى الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية.