مكن أن نبحث عن جذور كثير من تصرفات وصفات أطفالنا وتصرفاتهم وميولهم واتجاهاتهم في أعماقنا، ونكتشف نحن الآباء والأمهات أن هذه الصفات التي تسبب لنا الكثير من الضيق موجودة فينا، وبدواخلنا، أو أنها صفة قديمة كانت موجودة فينا في فترة ما.
الآباء والأمهات يتمنون أن يتحقق حلمهم وأن يأتي طفلهم مطابقاً للصورة التي يحتفظون بها له في أعماقهم. فعندما يمر عام واحد أو أقل من ميلاد الطفل الجديد، يلاحظ الأب والأم أن الطفل يحاول أن يعبر عن استقلاله. وقد يأخذ هذا الإعلان شكل العناد وعدم التعاون مع الوالدين مما يسبب الضيق للأب أو للأم. وبما أن الأطفال ليسوا كلهم نسخاً متكررة، فإن الأب والأم لا يستطيعان التكيف بسرعة طبقاً لهذه الاختلافات بين شخصيات أطفالهم.
الأخصائية النفسية، منى اليافعي، تشير إلى أن هناك بعض الآباء والأمهات الذين لايستطيعون التكيف مع هذا الكائن الضعيف رغم محاولتهم الجادة للوصول إلى ذلك، وأن بعضهم يتعلمون بالتدريج كيف يتعاملون مع الطفل صاحب المشاكل المزعجة، لكنهم إذا كانوا من النوع المفرط في الحساسية فإنهم يواصلون توبيخ أنفسهم لعدم قدرتهم على تحمل متاعب الطفل منذ البداية.
سببان
وتكمل: « هناك عدد من الأسباب التي تؤدي إلى إحساس بعض الآباء والأمهات بالذنب، ويظهر هذا الإحساس عندما يسمح الآباء للطفل بأن يسلك السلوك الذي لا يمكن أن يسمحوا به لولا وجود هذا الإحساس مثل عدم الإصغاء إلى الكلام، وعدم التعاون، وأحياناً الوقاحة، وهناك سببان لذلك على الأقل، أولهما أن الآباء يشعرون أن من حق الطفل أن يعاقبهم قليلاً. والسبب الثاني: أن الأبرياء يرحبون بسوء السلوك الواضح لا شعورياً، لأنهم يجدون فيه سبباً يبرر عدم قدرتهم على الاغتباط بهذا الطفل، وعندما يشعر الطفل أنه أفلت بخطئه من العقاب فإنه هو أيضاً يشعر بالذنب، لأنه يتمنى من أعماقه أن يوقفه أحد عند حده، وأحياناً يتمنى أن يعاقبه أحد، وعندما لا يحدث ذلك فإن الطفل يتمادى في سوء السلوك كي يشد انتباه من حوله إلى ضرورة عقابه.
استفزازوتضيف : «إن الطفل المدلل، أو الطفل الذي يتسامح معه أبوه وأمه جداً، يستمر في استفزاز والديه وكأنه يقول لهما «إلى أي حد من السلوك السيئ يمكن أن أصل حتى توقفاني عند حدي وتجعلاني أسلك السلوك المهذب؟»، ولابد أن ينفجر أحد الوالدين بالغضب في نهاية الأمر، مما يجعل الطفل يرضخ ويعود إلى السلوك المهذب. لكن الوالد الذي يعاني من الشعور الدائم بالذنب وأنه غير جدير بدوره كأب ورب لأسرة فإن الإحساس بالذنب يهاجم هذا الأب بعد أن يعاقب ابنه.
إن الإحساس بالذنب يصبح أحياناً كما تذكر اليافعي كموج جارف يهز أعماق الأب أو الأم، فالأب الذي لا يثق بنفسه قد يسمح لابنه بأن يرد بالكلام أو الفعل على عقابه له. وأحياناً أخرى قد يصرف النظر عن عقاب الابن أو قد يتظاهر بأنه لا يرى الطفل لو عاد إلى الخروج عن قواعد السلوك، فالأب الذي يعاني من الإحساس بالذنب ينبه الطفل بصوت لا إقناع فيه، لذلك لا يسمح الابن لنفسه بالرضوخ إلى أوامر الأب، أما الأب الذي يظل متوتراً عدة ساعات ويساوره الإحساس بالخجل من نفسه يصبح أحياناً كالطفل المخطئ فيتصرف بصورة تستفز الابن، فيرد الابن على معاقبة الأب بنفس المستوى، أي أن الابن يتصرف كأن والده هو الذي يستحق العقاب».
ولفتت إلى أنه في كثير من الأحيان تكون القسوة سبباً في أن يستمر الطفل في عناده وأن يتمادى فيه، والمعاملة بجفاء قد تجعل الطفل يصر على أن يكون مستفزاً بصورة أكبر، والحل الأكيد يتمثل في أهمية أن يسلك الابن السلوك السليم بطريقة ودودة وحازمة، ومن ثم يجب أن يكون زمامه في أيدينا دون توتر حتى لا نصبح في حالة من الضيق النفسي والعصبي الدائم.
الطفل المشاكس
من الأهمية أن يتفق الأب والأم على سياسة «الود الحازم» مع الأبناء منذ البداية. فإذا حدث صدام بينهما وبين الابن المشاكس، عليهما أن يصرا على تثبيت سياسة «الود الحازم» كدستور دائم للعلاقة بينهما وبين الابن المشاكس، لأن الطفل يعلم أنه لا فائدة في مقاومة هذه السياسة، ويصبح سعيداً بهذا الأسلوب الذي يحظى فيه بحقه من الود والحب، وينال العقاب المناسب عندما يخطئ.