عندما لا يكون القانون وحده كافياً
*جوليان تيت
هناك أساليب عمل تسيء لحياتنا المعاصرة بنفس الدرجة التي تسيء بها أسواق بيع الجملة وهي من صلب النظام المالي العالمي. وتتحكم هذه الأساليب التي تبدو كأصابع خفية تتلاعب في النظام المالي، في تكاليف الاقتراض سواء على مستوى الشركات أو العائلات،كما تتحكم في أسعار صرف العملات وأسعار الحاجات اليومية للمستهلك كالغذاء والطاقة والمواد الأولية.
وهي أيضاً طبقاً لما ثبت مؤخراً، عرضة للتلاعب والفساد. فقد تم تغريم البنوك عشرة مليارات دولار لتسوية نزاعات تسبب بها تلاعب تلك البنوك في معدلات صرف العملات ومعدلات الفائدة بين البنوك «ليبور». ووصل الأمر إلى حد مقاضاة مسؤولين كبار منهم توم هايس من بنك «يو بي إس»، بتهمة استغلال التلاعب في الليبور لخدمة مصلحتهم الشخصية.
وقد دفعت تلك الفضائح القائمين على هيئات التنظيم لمراجعة فلسفة «دعه يعمل دعه يمر» التي تحكم طريقة متابعتهم الأسواق حيث تعتمد المؤسسات والشركات الكبرى على تلك الفلسفة. كما أن تلك الفضائح تلحق الضرر بصغار المتداولين الذي لا ناقة لهم ولا جمل في عمليات التحكم في أسعار الفائدة أو الصرف أو غيرها.
وبعد فضيحة التلاعب بمعدلات أسعار الفائدة بين البنوك «ليبور» عام 2024 سنت الحكومة البريطانية قانوناً جديداً يحكم العلاقة بين البنوك. واليوم وبعد كل ما جرى، يعمل بنك إنجلترا على توسيع دائرة ذلك القانون وتعدد أدواته لتشمل منصات التداول والمؤشرات التي تشرف عليها الحكومة. وتهدف المراجعة التي من المقرر أن تتم خلال أسابيع قليلة،إلى أن يطال التنظيم مجالات أخرى مثل صرف العملات الأجنبية وأسعار النفط وسوق سبائك الذهب.
ومن المرجح أن توصي اللجنة بتغييرات تشريعية بحيث يمكن تجريم أنماط من التلاعب في أسواق الأسهم مثل «المضاربة بالمعلومات» في تداولات سندات الدخل الثابت والعملات الأجنبية والسلع الاستراتيجية.
ولا شك أن القوانين الجديدة الأكثر تشدداً كفيلة بكبح السلوكيات الجانحة.وقد ساعدت الثغرات القانونية الكثير من الجانحين في أسواق المال على الإفلات من الحساب. وفيما يتعلق بفضيحة التلاعب بأسعار الصرف لا يتيح قانون اللوائح السلوكية معاقبة الأشخاص لذلك تتحمل البنوك تبعات سلوك الجانحين من موظفيها.
لكن يمكن لقواعد عمل الأسواق أن تحد من السلوكيات الخاطئة في حال أعيد النظر بتلك القواعد وتم تعديلها بحيث يمكن الاستغناء عن المحاكم والدعاوى القانونية. وفيما يتعلق بكبار اللاعبين تم الحد من فرص تلاعبهم من خلال تثبيت سعر الصفقات التي تنفذ عملياً وليس على طلبات الشراء. وقد يسمح تنوع الأدوات المالية في أسوق صرف العملات في التخلص من التجاوزات عندما تتم التعاملات في وضح النهار.
وفي حال اقتضت الحاجة سن تشريعات جديدة فلابد أن تصب في واحدة من فئتين. الأولى قوانين خالية من الغموض بحيث يدرك الأفراد مسبقاً ما إذا كان سلوكهم ينطوي على مخالفة أم أنه متوافق مع القوانين. أما الثانية فيجب أن تضمن تلك القوانين حل النزاعات بالتقاضي بشكل مباشر.
وربما يكون وضع لائحة سلوك تشرف على تطبيقها هيئة معايير القطاع المصرفي، مفيدة في هذا الصدد. لكن ينبغي على المديرين أن يدركوا ماهية السلوك السوي ويفرضوا تطبيقه دون ضغوط خارجية. ولكي تستعيد البنوك الثقة بها يجب أن تلتزم بنفس المعايير.