ولم يتضمن التقرير ما نكره خاصة وأنه كشف عن زيادة فاقت التوقعات في عدد الوظائف خارج القطاع الزراعي، بالغة 252 ألف وظيفة، مسجلاً للشهر الحادي عشر على التوالي وظائف فوق 200 ألف وظيفة . كما أنه تميز بعلامة فارقة تمثلت في زيادة 32 ألف وظيفة على تقرير الشهر الذي سبق والذي كان رائعاً . وتابعت معدلات البطالة اتجاهها النزولي خاتمة عام 2024 عند 6 .5% مقارنة مع 7 .6% لعام 2024 .
وعرض التقرير لعدد من المؤشرات التي تؤكد نمو اقتصاد الولايات المتحدة كواحد من الاقتصادات العالمية الكبرى . لكنه لم يبدد القلق للمرحلة الحالية على الأقل، من أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال دون المستوى الشمولي الكافي، خاصة فيما يتعلق بانخفاض معدلات أجور الساعة بنحو 2 .0% والذي فشل في رفع معدل الأجور السنوي فوق 7 .1% . ومع تزايد مخاطر الانكماش في كل من أوروبا واليابان، تتزايد المخاوف من أن تكون الولايات المتحدة تسير على المنحى نفسه، وهو ما يعزز المخاوف من تفاقم تحديات النمو وطول أمدها وتأجيل خطوة الاحتياطي الفدرالي الخاصة برفع أسعار الفائدة حتى العام المقبل إن لم يكن أبعد .
ومع ذلك يبقى من السابق لأوانه استنتاج الانكماش استناداً إلى هبوط في معدلات النمو لشهر واحد والنظر إليه كدليل على تأجيل أول خطوة للاحتياطي الفيدرالي على طريق رفع أسعار الفائدة . فهذه التقديرات تصطدم بما قد ينتج عن التطور الإيجابي في معدلات التوظيف المتزايدة باضطراد .كما أنه لا يصمد أمام عدد من المؤشرات بما فيها التراجع في نسبة مساهمة العمالة، والانخفاض في نسبة البطالة التقليدية ومعدلات البطالة طويلة الأجل التي تصدر عن مكتب الإحصاء الوطني التي تعرف العاطلين عن العمل ضمن أطر أوسع وأشمل، ناهيك عن تعارضه مع التحسن في ثقة المستهلك وثقة الشركات والصعوبات التي يواجهها نحو 8 .2 مليون عاطل عن العمل في العودة إلى وظائفهم .
لهذا لا أنظر إلى الانخفاض في معدلات أجور الساعة التي وردت في تقرير الوظائف الأخير على أنها حالة خاصة . بل إنها تعكس قلقاً قطاعياً أوسع سوف يجبر الكونغرس على بذل جهود أكبر لرفع آفاق النمو في الاقتصاد .وعلى مدى أكثر من عشر سنوات كانت الأجور المعتلة جزءاً من مجموعة من القوى البنيوية العريضة التي تسببت في تفاقم حدة الفوارق الطبقية في الدخل والثروات والفرص . وهذه عوامل ساعدت على تفاقم ضعف النمو في الطلب ولم تشجع الشركات على زيادة استثماراتها، فضلاً عن كونها تهتك النسيج الاجتماعي تدريجياً من خلال تهميش الطبقة الوسطى .ومع تمكن الولايات المتحدة من توفير 3 ملايين وظيفة أو أكثر بقليل خلال عام 2024 وخفض نسبة البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ عام ،2008 يتركز الانتباه من جديد على جانب الأسعار في سوق العمل . واستعادة ديناميكية نمو الأجور تبقى تحدياً مهماً فيما يخص مصلحة البلاد على المدى البعيد ومصلحة الاقتصاد العالمي، ولمواجهة ذلك التحدي تحتاج الولايات المتحدة لأكثر من زيادة مرحلية في عدد الوظائف رغم أهميتها المطلقة.
* بلومبرغ