فإذا كانت كذلك فلابد للعاقل أن يجعلها متاعاً للآخرة، لأن ما لم يلهك فليس بمتاع الغرور، ولكنه متاع وبلاغ إلى ما هو خير منه، ولا يقدر المرء على فعل ذلك إلا إذا رأى واقع الحياة حينما يرى مصائر الأقارب والأباعد كخرزات عقد متتالية، وكل واحد منا هو حبة في هذا العقد، لكن لا يدري أين موقعه منه، ذلك هو واعظ الموت، وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: «كفى بالموت واعظاً، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلا».
الموت ليس آخر الحياة كما يظن كثير من الناس، بل هو ابتداء مرحلة أخرى عظيمة لا تقاس بمرحلة الدنيا مهما بلغت إلا بنسبة لا تكاد تذكر لقلتها، والحياة الدنيا ليست إلا ممراً يعبر به المرء للوصول إليها، و لابد أن يحمل في هذا الممر ما يستطيع حمله لذلك المقر الدائم، فإن حمل خيراً فخير، وإن شراً فشر، وقد كان علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقول: «ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل». وفي الحديث الصحيح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها جميعاً؛ اقرؤوا إن شئتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}».
نسأل الله تعالى أن يجعل متاعنا فيها حسناً، ويرجعنا إليه مرجعا حسناً.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي.
د. احمد بن عبدالعزيز الحداد
الامارات اليوم
جزاكِ الله خيراَ …