لا يكاد المشاركون في سوق النفط الخام العالمي يطيقون صبراً في انتظار اجتماع منظمة الأوبك المزمع عقده في 27 نوفمبر حيث من المحتمل أن يضع الاجتماع النقاط على الحروف بشأن اتجاه أسعار النفط في الربع الأول من عام2020 ويبدو الرهان الحالي واضحاً للجميع بعد تغير اللعبة قبل ربعين عندما شهدنا انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية لم نشهدها منذ سنوات.
نتج هذا الوضع "الجديد" جراء ارتفاع العرض داخل منظمة الأوبك وخارجها والمتمثل في تخلص المستهلكين على مستوى العالم بسرعة كبيرة من المخاوف حول اضطرابات العرض واحتمال ارتفاع السعر بصورة مخيفة مقارنة بتلك الحالية في الوقت الذي اشتعلت فيه المنافسة فجأة بين المنتجين على السعر سعياً للحفاظ على حصة السوق.
حيث ساعدت تقنيات انتاج النفط الجديدة والمبتكرة مثل استخراج النفط الصخري بالإضافة إلى عوامل عديدة في زيادة الانتاج الأمريكي من النفط إلى أعلى مستوياته في 30 سنة . ومنذ عام 2024، تجاوز هذا الارتفاع المتسارع في الانتاج الأمريكي مستوى التعويض من خلال ارتفاع الطلب العالمي واضطرابات العرض المستمرة تبعاً للعديد من الأحداث الجيوسياسية.
عدة دول أعضاء بحاجات مختلفة صورة: أخبار جيتي
ومما لا شك فيه أن أهم الأحداث التي شهدناها في وقتنا الحالي تمثلت في الحرب الليبية التي اندلعت في عام 2024 بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على إيران في عام 2024 تليها الإضرابات التي شهدتها الموانئ الليبية في عام 2024 وأخرها ظهور مسلحي داعش في سوريا والعراق حيث كانت هذه الاضطرابات الرئيسية والثانوية منها خلال الربع الأول من عام 2024 في أعلى مستوياتها منذ حرب العراقية الكويتية في عام 1991.
عاد النفط الليبي منذ ذلك الوقت بينما شهد بعض أعضاء منظمة الأوبك زيادة في الانتاج في الوقت الذي حافظ فيه البعض الآخر، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، على مستوى عال من الإنتاج في حين قادنا ارتفاع العرض في الوقت الذي تباطأ فيه نمو الطلب إلى الحالة الراهنة المتمثلة في تعرض منتجي النفط إلى هبوط حاد في العائدات بينما تلقت الدول المستهلكة للنفط، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة بوصفهما أكبر المستهلكين على مستوى العالم، دفعة قوية.
يجب على أوبك في حال أرادت القيام بعملية إصلاح سريعة الموافقة على تخفيض حاد في الانتاج إلى حين الوصول إلى حالة توازن بين العرض والطلب حيث قد تفضل بعض الدول الأضعف في منظمة الأوبك مثل فنزويلا وليبيا وإيران هذه الخطوة على الرغم من أن مشاركتها في ذلك التخفيض ليست مرجحة بما أنها في حاجة ماسة إلى أي عائد بمكنها الحصول عليه في حين تبدو الدول الغنية المنتجة الغنية كالكويت والإمارات والسعودية مستعدة أكثر لما يقرره السوق حول ماهية مستوى الأسعار الجديد.
بعض دول الأوبك، مثل فنزويلا والعراق وليبيا تحتاج إلى الإيرادات بصورة عاجلة. الصورة: iStock
يمكن أن نشهد مستوى من التقلب في الناتج في التشكيلة الواسعة من التوقعات بين المحللين لكن مراقبو الأوبك عبروا عن صعوبة الوصول في هذه الحالة بالذات.
تمتلك أوبك عدة خيارات منها "عدم القيام بأي شيء" والذي سيؤدي بدوره إلى هبوط السعر أكثر نظراً لتقديرات منظمة الاوبك نفسها حول حاجتها إلى انتاج 28.4 مليون برميل يومياً خلال الربع الأول وتتجاوز مستويات الانتاج الحالية هدف الكارتل الراهن عند 30 مليون برميل.
ربما يساعد خفض الانتاج لأكثر من 0.5 إلى مليون برميل، وهو ما نتوقعه حالياً، على إثارة انتعاش في السوق لإعادة وضع مجال ليس بعيداً تحت المجال الذي شهدناه لغاية أشهر قليلة خلت لكن أوبك ومن خلال فعلها لذلك يمكن أن تقوم بصورة غير مباشرة بدعم الارتفاع الراهن في انتاج النفط الصخري الأمريكي وقد تواجه خلال سنة حالة مشابهة تتمثل في تعرض السعر لضغط بيع جديد مرة أخرى.
يتطلب الانتاج الامريكي للنفط الصخري سعراً عالياً نسبياً من أجل التعادل لكن الابتكار المستمر في تقنيات الانتاج والتحسينات التي أدخلت عليها خلال السنوات القليلة الماضية قد خفضت معدل التعادل هذا لصالح النفط الصخري لذلك فمن المقدر أن يتم تداول خام غرب تكساس الوسيط تحت 70 دولار لفترة طويلة قبل أن تبدأ الأسعار المنخفضة أكثر في التأثير سلبياً على نمو الانتاج.
تعيدنا هذه التطورات ضمن الأوبك وخارجها مجدداً إلى اجتماع يوم الخميس المقبل وتسلط الضوء كذلك على السبب الكامن وراء كون هذا الاجتماع من أهم الاجتماعات التي عقدت خلال سنوات ويصادف يوم الخميس كذلك عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة حيث تجتمع العائلات للتعبير عن شكرها وامتنانها لبركات الحصاد القادم ونعم السنة السابقة. حيث أسفرت السنة الماضية عن تحقيق المزارعين الأمريكيين إلى حصاد قياسي بينما شهد المستهلكون انخفاض أسعار البنزين لما دون 3 دولار للغالون وبالتالي ازدادت ثقة المستهلكين ودخلهم المتاح كذلك الأمر.
هل تقوم منظمة الاوبك بإصلاح سريع وتقلق حول المستقبل في وقت لاحق؟ أم أنها ستلقي بالتحديات على عاتق المنتجين الأمريكيين من خلال الإبقاء على السعر منخفضاً أو هبوطه أكثر على المدى القصير؟ هنا تكمن الأسئلة التي يبحث السوق عن أجوبة عليها منتظراً الخميس المقبل.