بيع الأسهم أصعب من شرائها
الثلاثاء 12 ذو الحجة 1445هـ – 7 أكتوبر 2024م
فهد بن عبد الله الحويماني
لا خلاف على أن بيع الأسهم أصعب من شرائها، وهذا لا يختلف حقيقة عن بيع أي شيء آخر. مصدر الصعوبة ليس في آلية البيع ذاتها، بحكم أن عملية إدخال أمر بيع لا تختلف عن عملية إدخال أمر شراء ولا تختلف عنها في تكلفة العمولة، ولكن مصدر الصعوبة هو في الأسس التي يتم بها اتخاذ قرار البيع واختلاف المشاعر النفسية المصاحبة للبيع عن تلك المصاحبة للشراء. غالبا يكون الشراء أسهل بكثير من البيع، حيث توجد مصادر عديدة وآراء كثيرة تدعو إلى الشراء وتعين عليه، وقليلة تلك التي تتحدث عن البيع وطرقه وتوقيته. وبحكم أن سوق الأسهم السعودية تمر بمرحلة صعود في أسعار معظم شركات السوق، يقف المتعامل في السوق حائرا أمام قرار البيع، فهل يبيع جميع ما لديه في المحفظة، أم يبيع جزءا من أسهم شركة معينة لديه، أم ينتظر. كما أن منهجية قرار البيع تجيب كذلك عن قرار الشراء بطريقة غير مباشرة.
في البداية يجب التنبيه على أننا نتحدث هنا عن قرار البيع الكلي أو الجزئي بالنسبة للمستثمر على المدى البعيد، وليس المضارب أو المتداول النشط الذي يبني قراراته على أسس متعلقة بالتحليل الفني للسوق ودراسة نفسيات المتداولين. في كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية، وضعت مخططا بسيطا يبين أبرز الفروقات بين التحليل الفني والتحليل الأساسي، ومن أهم هذه الفروقات عامل الوقت: كلما قصرت المساحة الزمنية للمتداول، يكون التحليل الفني أنسب له من التحليل الأساسي، ويكون قرار البيع مبنيا على أسس فنية بحتة. على سبيل المثال، من كانت تداولاته تتم خلال أيام قليلة، أو حتى ساعات محدودة، فمن الطبيعي ألا يكون للتحليل الأساسي دور مهم في منهجية هذا الشخص، لأن الوضع المالي للشركة غالباً لا يتغير في غضون ساعات ولا أيام قليلة، فلن تتغير المبيعات فجأة ولن تتأثر الأرباح فجأة، لدرجة أن يقوم الشخص بالشراء أو البيع بسرعة. لذا فمن يقوم بتداول الأسهم بكثرة وتكرار سيجد أن التحليل الفني هو كل ما يستطيع أن يقوم به، لأنه من الممكن أن يرتفع أو ينخفض سعر السهم بشكل كبير خلال فترة وجيزة نتيجة صراع قوى العرض والطلب، التي يمكن رصدها والتعامل معها من خلال أساليب فنية ونفسية. إذاً قرار البيع بالنسبة للمضارب مختلف تماماً وتحكمه ظروف واعتبارات لن نتطرق لها في هذه المقالة.
متى يبيع المستثمر أسهما يملكها؟
الحقيقة أن المستثمر لا يبيع أسهمه ويخرج من السوق إلا إذا تحققت الأهداف التي وضعها لنفسه، وهذا يعني أن أول خطوة في قرار البيع ترتكز على مقدار العائد المالي المطلوب الذي يجب على المستثمر أن يضعه من ضمن خطته الاستثمارية قبل شراء الأسهم. فإذا تحقق العائد المنشود من المحفظة ككل، يكون البيع مبررا، لأن الهدف من الشراء، في نهاية المطاف، تحقيق ربح مالي يعوض الشخص عن المخاطرة التي قبل بها في دخوله للأسهم. لا يهم إن كان من المتوقع لبعض أسهم المحفظة مواصلة الصعود وأن هناك فرصة مشجعة لتحقيق أرباح أكبر في المستقبل، لأن الهدف قد تحقق ويكون من المناسب البيع والانتظار لوقت آخر مناسب وظروف أخرى مواتية. وعلى الرغم من ذلك، فإن وضع هدف معين للدخول في سوق الأسهم ليس أمراً هيناً، وكثير من المتعاملين في السوق لا يوجد لديهم هدف واضح محدد.
إن قرار البيع الكلي مسألة شخصية تحددها ظروف المستثمر وحاجته للمال وتوفر الفرص البديلة وتفاوت شهيته نحو المخاطرة، بينما قرار البيع لأسهم شركة معينة في المحفظة مسألة مالية بحتة، يحكمها الوضع المالي للشركة والظروف التجارية والاقتصادية المرتبطة بها، إضافة إلى مستوى سعر السهم في السوق. من الخطأ البيع لمجرد أن سعر السهم ارتفع بشكل كبير وأن لدى الشخص ربحا ورقيا كبيرا، ولا أن ينظر للارتفاع على أنه تجاوز العائد المعقول والممكن من الاستثمار في الأسهم، فيقرر الشخص البيع. على سبيل المثال، تم تقدير العائد السنوي للاستثمار في السوق السعودية على أنه نحو 14 في المائة خلال الـ 20 عاماً الماضية (راجع المقالتين "المخاطرة في سوق الأسهم" و"ما العائد المعقول للاستثمار في الأسهم السعودية؟")، لذا فإن هذا لا يعني بيع أسهم شركة لمجرد أن العائد للمستثمر في هذه الشركة تجاوز العائد التاريخي للأسهم ككل. إذاً قرار البيع لأسهم شركة بعينها لا يعتمد على مدى الارتفاع السعري، بل يعتمد على وضع الشركة ودراسته بشكل أعمق من خلال مراجعة مكرر الربحية للشركة وتحليل وضعها التجاري والمالي. كيف يتم ذلك؟
مكرر الربحية هو قسمة السعر الحالي للشركة على حصة السهم الواحد من صافي الأرباح للـ 12 شهراً الماضية أو القادمة. فلو أنه وقت شراء إحدى الشركات كان المكرر المعتاد للشركة يساوي 15 ضعفا، أي أن السعر الحالي يساوي 15 أمثال ربحية السهم، الذي يمكن تفسيره كذلك على أن أرباح السهم الواحد لمدة 15 عاماً قادمة تغطي تكلفة السهم الحالية، ومن ثم أصبح مكرر الربحية الحالي 20 ضعفا، فيمكن اعتبار السهم مبالغا في تثمينه بالمقارنة مع تسعيره التاريخي. غير أن ذلك لا يكفي كدليل على مناسبة البيع قبل مقارنة ذلك مع بقية الشركات العاملة في المجال نفسه وقبل النظر إلى مكرر الربحية للسوق ككل. أي أن سعر السهم بالفعل يتم تداوله عند مستويات قياسية بالمقارنة بوضعه التاريخي، وعلى الرغم من ذلك نجد أن سعر السهم لا يزال معقولاً مقارنة بغيره من أسهم الشركات المماثلة وبمكرر الربحية للسوق ككل. إذاً وقت البيع للسهم يكون عندما يشطح مكرر ربحيته إلى مستويات غير مبررة، بغض النظر عن سعر الشراء بالنسبة لمالكه.
كذلك من المهم للمستثمر أن ينظر إلى الشركات التي يشتري أسهمها على أنه شريك في ملكيتها، مثله مثل مؤسسي الشركة وكبار مستثمريها، الفارق الوحيد قد يكون في نسبة التملك فقط. لذا تجد من يملك مؤسسة فردية ناجحة لا يفكر في بيعها طالما أنها تمنحه العائد المطلوب وأنه مؤمن بمستقبلها ومكانتها التنافسية بين الشركات. لا يختلف امتلاك الأسهم المدرجة عن ذلك، عدا في سهولة البيع والشراء، لذا تجد أن قرار بيع مؤسسة فردية لا يحدث إلا في حالة الخسارة المتواصلة أو تحقيق ربح غير مجد لمالكها مع عدم وجود ما يمكن بناء الآمال عليه في المستقبل.
إن خاصية شراء الأسهم وبيعها بسهولة، نتيجة السيولة العالية التي تتمتع بها الأسهم عن غيرها من القنوات الاستثمارية، لهي خاصية مهمة يمكن توظيفها للتخلص السريع من أسهم تغيرت أوضاعها منذ وقت الشراء، فتغير مكرر ربحيتها أو بدأت أرباحها في النزول، أو أسوأ من ذلك تراجعت مبيعاتها أو تقلصت تدفقاتها النقدية. وفي المقابل، يجب ألا توظف هذه الخاصية في البيع المتسرع دون وجود أسباب معقولة وتغيرات جوهرية.
*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.