يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)، «سورة البقرة الآية 269».
جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآية السابقة: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ) أي يعطي العلم النافع المؤدي إِلى العمل الصالح مَنْ شاء من عباده، (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) أي من أُعطي الحكمة فقد أُعطي الخير الكثير لمصير صاحبها إلى السعادة الأبدية، (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب)، أي ما يتعظ بأمثال القرآن وحكمه إِلا أصحاب العقول النيرة الخالصة من الهوى»، (صفوة التفاسير للصابوني 1/170)
إن ديننا الإسلامي الحنيف ينظر للموهبة على أنها عطيةٌ ونعمةٌ من الله سبحانه وتعالى، يجب على المسلم أن يؤدي شكرها، وجدير بالذكر أن أمتنا أنجبت عدداً من العلماء الأفذاذ في مختلف المجالات، منهم علماء فضلاء في علوم القرآن، والتفسير، والحديث، والسيرة، كما أن التاريخ شاهد على إبداعات المسلمين العلمية، فكان منهم: ابن الهيثم، والرازي، وابن النفيس،.
شهادات نبوية
لقد أثمرت المدرسة النبوية التي بدأت في دار الأرقم بمكة المكرمة في اكتشاف كفاءات كثيرة ومواهب متعددة لدى الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين-ومن المعلوم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – رعى مواهب الشباب رعاية تامة وحَمَّلهم المسؤوليات الجسام التي يعجز عن حملها أعظم الرجال، فعلي – كرّم الله وجه – ينام في فراشه – صلى الله عليه وسلم – ليلة الهجرة، وَيُوَلّي أسامة بن زيد جيشاً فيه أبو بكر وعمر وعثمان، ويثق في قوة حفظ زيد بن ثابت فيأمره بتعلّم العبرانية والسريانية فيتعلمهما في أقل من ثلاثة أسابيع.
اصطفاء النبهاء
أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْداً أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدٌ: «ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا غُلامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ، بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: «يَا زَيْدُ، تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي»، قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ (لَهُ) كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ»، (أخرجه أحمد). لقد أبصرَ رسولنا – صلى الله عليه وسلم – ملامح الإبداع والذكاء المتوقّد عند زيد بن ثابت، من خلال حفظه المتقن لسورٍ من القرآن الكريم، فحضَّه على تعلّم اللغة العبرية، وبذلك يكون زيد قد تميَّز عن أصحابه من خلال نبوغه في علوم مختلفة.
تقدير النابغين
لقد اشتهر عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما – بفهمه للقرآن الكريم وتفسيره، حيث لُقِّب بحبر الأمة وترجمان القرآن، ومن أسباب نبوغه ، دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – له، وملازمته للرسول ، وكذلك ملازمته لشيوخ الصحابة حيث كان ينهل من علمهم الفياض، وإحاطته – رضي الله عنه – بلغة القرآن الكريم وفهم معانيها، مما ساعده على تدبر معاني القرآن الكريم وتفسيره.
ومن الجدير بالذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان من أكثر الناس إعجاباً به تقديراً لعلمه ومكانته.
المرء بأصغريه
«لما اسْتُخْلِفَ عمرُ بن عبدالعزيز ، قَدِمَ عليه وُفُودُ أهلِ كلِّ بلد ؛ فتقدَّم إليه وَفْدُ أهلِ الحجاز، فاشْرَأبَّ منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: مَهْلاً يا غلامُ، لِيتكلمْ مَنْ هو أَسَنُّ منك، فقال الغلام: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنَّما المرءُ بأَصْغَرَيه قلبهِ ولسانِهِ، فإذا مَنَح اللَّهُ العبدَ لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استجاد له الحِلْيَةَ – استحق أن يتكلم-، ولو كان التقدم بالسنّ لكان في هذه الأمة مَنْ هو أحقّ بمجلسك منك، فقال عمر: صدقت .
إن الإسلام منذ أن أشرقت شمسه، ثورة على الجهل، ودعوة إلى القراءة والدراسة والعلم، فالإسلام دين لا يحمله إلا أمة واعية متعلمة، والله تعالى هو الذي خلق، وهو الذي علَّم، فالعلم يحتاج إلى التواضع والسكينة، والمواظبة والجدّ والاجتهاد. فهذه دعوة لأبناء الأمتين العربية والإسلامية بأن يُقبلوا على العلم، فالعلم بحاجة إلى التضحية والصبر على نوائب الدهر، حتى يحصل الإنسان بجده واجتهاده على ما يصبو إليه.