تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » استراتيجية تشجيع المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة

استراتيجية تشجيع المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة 2024.

استراتيجية تشجيع المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة

الخليج

أرجو أن أتقدم بمناسبة الملتقى التداولي حول استراتيجية دولة الإمارات للتخطيط الاقتصادي، والذي عقد في إمارة الفجيرة، بهذه الورقة حول بعض الآليات والرؤى لتشجيع الاستثمار في المشاريع المتوسطة والصغيرة في إمارات الدولة لتشابه الموارد والاحتياجات لمثل تلك المشاريع الصناعية، ويسرني تقديم هذه الورقة حول استراتيجية تشجيع المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة في إمارات الدولة بصفة عامة .
وفي البدء يجب أن نُعرف ماهية المشاريع المتوسطة والصغيرة وكلمة الصناعة المرتبطة بتلك المشاريع . وحسب مفهوم اتفاقية بازل الثانية وتصنيف المصارف المحلية بالدولة فإن تلك المشاريع تخضع لحجم رأسمالها لتصنيفها متوسطة أو صغيرة . وتعتبر رؤوس الأموال، المحدد لحجم المشروع في الدولة دون النظر إلى حجم العمالة أو الإنتاج، في حين أن الدول الأوروبية والأمريكية والعديد من دول شرق آسيا تقيس حجم المشروع صغيراً كان أو متوسطاً بحجم العمالة، وذلك لطبيعة توفرها ولتشجيع المستثمرين على توظيف أكبر عدد من العاملين لتخفيض نسب البطالة المرتفعة في تلك البلاد . أما في دولة الإمارات فليست هنالك حاجة إلى استجلاب أعداد كبيرة من العاملين للمشاريع، وبالتالي فإن التصنيف لصغيرة أو متوسطة أو كبيرة لا يعتمد على عدد العاملين، بل على العكس يفضل أن يختصر عدد العاملين إلى أقل رقم ممكن، ولهذا يكون المعيار الأفضل هنا في دولة الإمارات، القياس بحجم رأس المال المستثمر في المشروع وهو ما تعتمد عليه مصارف الدولة في التمويل والتصنيف .
أما تعريف الصناعة، فهي كل عمل تحويلي يغيرّ شكل مدخلات الإنتاج من المواد المستخدمة إلى منتج صالح للاستخدام، سواء كان ذلك في السلع أو الخدمات أو الملكية الفكرية، ولهذا نقرأ في الكتب الأمريكية "صنع في أمريكا" بدلاً من "طبع في أمريكا"، وبذلك تشمل كلمة صناعة أي عملية تحويلية تدخل في تحويل مادة، مهما كانت تلك المادة أو عملية التصنيع والتحويل بسيطة أو معقدة، ولو كانت في خطوة واحدة، يسمى الناتج صناعة بمعانيها الواسعة والتي تضم صناعة السلع والخدمات والأفكار .
ولوضع الاستراتيجيات والآليات والرؤى الراسخة للمشاريع الصناعية الاستثمارية المتوسطة والصغيرة، فإنه يجب أن نبدأ بالبنية التأسيسية لتقنين تلك المشاريع وتحديدها وحصرها وضبطها ومراقبتها ودعمها للحصول على دراسات الجدوى للمشاريع والتمويل وما إلى ذلك من بنية أساسية ومرجعية قانونية اعتبارية وضمان وتشجيع تلك الفئة من متوسطي وصغار المستثمرين في المجال الصناعي، وذلك بتأسيس وإنشاء هيئة حكومية مستقلة لتشجيع المواطنين على الاستثمار في المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة في الإمارة وبقية الإمارات .
– تكون لهيئة تشجيع المواطنين على الاستثمار في المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة بالإمارة شخصية اعتبارية قانونية تتولى إعداد الدراسات الأولية ودراسات الجدوى المقبولة للممولين وتقديم النصح للمستثمرين ومراقبة تنوع المشاريع وتكاملها وضبطها والتنسيق مع الجهات الممولة مثل ما سنذكر لاحقاً من ضرورة تأسيس صندوق ضمان الاستثمار لتلك المشاريع، لتسهيل عملية التمويل من المصارف والمؤسسات المالية، مع حق الهيئة في متابعة المشاريع المقدمة من قبلها لصندوق ضمان الاستثمار لإدارة المخاطر ودرء الخسائر قبل حدوثها .
– بجانب تلك المهام، تكون الهيئة منسقاً مع الجهات المعنية لتخصيص الأراضي الصناعية الاستثمارية بحيث يكون لرأيها ودراساتها مكان في التخطيط العام للمدن لتشكيل مجمعات صناعية مؤهلة ذات بنية تحتية مستقبلية تمكن من التوسع لمشاريع أكبر وأرحب .
– وبالضرورة أن تتبع الهيئة نظام النافذة الواحدة، لتقديم كل الخدمات للمستثمر من رخص صناعية وتجارية وسجل تجاري وعضوية الغرف التجارية والدفاع المدني والصحة والجودة والتمويل وخلافه مما يتطلبه بدء الاستثمار والاستمرار فيه .
– تكون من ضمن أولويات مهام هيئة الاستثمار، إجراء دراسة لتحديد نوعية المشاريع وحجمها، معتمدة في ذلك على الإحصاءات المتاحة بالدولة مع التركيز على استغلال الموارد المحلية المتاحة مثل البترول ومنتجات مشتقات البترول، ومياه وثروات البحر وما يزخر به من لحوم بيضاء وبروتين يحتاج إليه العالم، والرمال وما ينتج عنها من صناعات عديدة تدخل في البناء والإلكترونيات، وعسل النحل، والأعشاب الطبية والعطرية، والسياحة المبشرة لطول السواحل البحرية والأسواق المنتشرة والأسعار المنافسة والطقس الممتاز في الشتاء والمنتجات المحلية المميزة، والخدمات المالية المتطورة باستخدام الربط الإلكتروني العالمي، والخدمات الصحية المميزة وخاصة في مجال صحة الاسترخاء والفحص العام وبعض العيادات عالية التخصص في العلاج ليوم واحد مثل العيون والأسنان والتجميل، والخدمات التعليمية والقدرات الفنية والتقنية المتخصصة، وخلافه لدفع المواطن الشاب إلى تأسيس مشروعه الخاص وإدارته وتشغيله بمعرفة وعلم ودراية .
– التركيز على مشاريع التقانة العالية، للحد من العمالة الأجنبية غير المؤهلة وقصر العاملين في تلك المشاريع على أبناء الوطن، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات المعنية بالتعليم والتدريب التقني والفني، بناء على الرؤية المستقبلية التي تحددها هيئة الاستثمار كما ذكرنا سابقاً، وكما سيأتي لاحقاً، وبما يتماشى مع استراتيجية الإمارات 2024م .
– التركيز على المشاريع القابلة لرؤية توسعية مستقبلية لتنتقل من فئة المشروع الصغير إلى المتوسط ثم إلى الكبير بخطة مدروسة مسبقاً ومبرمجة بزمن محدد يتماشى ومتطلبات السوق والإنتاج المفترض من المشروع مع مراعاة تطور ورؤية المشاريع المنافسة في المنطقة .
– التنسيق التكاملي بين المشاريع لتكملة احتياجات بعضها بعضاً ويشمل ذلك مشاريع إعداد المواد الأولية المطلوبة، ومشاريع النقل والترحيل، حسب متطلبات تلك المواد، ومشاريع التغليف والطباعة، ومشاريع التحليل ومختبرات اعتماد الجودة والمواصفات العالمية، ومشاريع المؤسسات التدريبية للعاملين في تلك المشاريع، ومشاريع الدعاية والإعلان للترويج للمنتجات، ومشاريع الرعاية للعاملين الأجانب في تلك المشاريع من تكملة إجراءات العمل والإقامة والسكن والمأكل وتأمين العلاج وخلافه، إضافة إلى المشاريع الإنتاجية المتوسطة والصغيرة التي تحتاج إلى كل تلك الخدمات .
– وكما ذكرنا سابقاً فإن الدور الرئيسي لهيئة الاستثمار، بجانب بقية المهام، هو تسهيل التمويل المتوسط والأصغر لتلك المشاريع بإعداد الدراسات الاقتصادية الصارمة والمقبولة للممولين من مصارف ومؤسسات وصناديق مع المتابعة اللصيقة بصندوق ضمان الاستثمار لتلك الفئة من المشاريع كما سيأتي كمقترح لاحقاً .
– ومن مهام هيئة الاستثمار، التشجيع على إنشاء وقيام المؤسسات المتوسطة والصغيرة من مجموعات من الشباب، تكون نواة لمؤسسات كبيرة مستقبلية وتؤصل لروح التعاون والمشاركة والعمل الجماعي بين الشباب وتنشئة الشباب على إدارة المؤسسات واحترام التدرج الهرمي فيها بحيث يجد كل شريك نفسه مسؤولاً عمّا يحب ويهوى، سواء كان في المجال الهندسي أو خط الإنتاج أو قسم الإدارة أو قسم المحاسبة أو قسم المعلومات أو قسم شؤون العاملين أو قسم التسويق أو قسم التصميم أو قسم الدراسات والتطوير أو خلافها، فسيجد كل شريك ما يهوى وما يرغب فيه ضمن مؤسسته التي يشارك فيها .
– ولصعوبة توفر الضمانات الكافية من قبل تلك الفئات الصغيرة والمتوسطة فإن من الضروري تأسيس صندوق ضمان المشاريع بدعم من الحكومة، يكون راهناً للمشروع حتى نهاية السداد الكامل للتمويل، وضامناً للممولين من مصارف ومؤسسات وصناديق لسداد قروض التمويل وفوائدها بناء على تأكيد ودراسة جدوى هيئة الاستثمار التي يجب أن تعتمد المشروع وأهميته وجدواه الاقتصادية قبل تقديمه لصندوق ضمان الاستثمار للرهن وضمان التمويل لدى الممولين .
– ولتشجيع أولئك المستثمرين الشباب يجب على هيئة الاستثمار وصندوق ضمان الاستثمار أن يتفقا مع المصارف والمؤسسات والصناديق على أدنى أسعار للفائدة أو الأرباح المرتبطة بتمويل تلك المشاريع، مع إمكانية ربط تخفيض تلك الفوائد أو الأرباح تناقصياً بسرعة السداد ونسبة الأرباح المحققة سنوياً في المشروع تشجيعاً للمستثمر وتحفيزاً للممول .
– ولما كان هذا القطاع الاستثماري متجدداً ومستمراً ومتزايداً، بسبب زيادة نسبة النمو السكاني المطردة وزيادة أعداد الخريجين من الشباب سنوياً، فقد أصبح إدخال علم تأسيس وتطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة ضمن مناهج المؤسسات التعليمية ضرورياً حتى لا يبدأ الخريج من الصفر فتكون له دراية ومعرفة وثقة بالنفس لتأسيس عمله الخاص في المجال الذي يناسب تطلعاته وهواه ومعرفته .
– ودعماً للشباب وأفكارهم، فإنه يجب على الدوائر الاقتصادية تشجيع كبار المستثمرين على مشاركة الأفكار الاستثمارية الشابة للمشاريع المتوسطة والصغيرة والدخول معهم في تلك المشاريع خاصة في إنتاج وإمداد المصانع والأعمال الكبيرة التي يملكها أولئك الكبار باحتياجات تلك المؤسسات من مواد وخدمات وتقانة مرتبطة بمدخلات الإنتاج لتلك المؤسسات .
– إتاحة الفرصة للمشاريع المتوسطة والصغيرة لعرض منتجاتها باستغلال المساحات المتاحة في المجمعات التجارية والمعارض، إما مجاناً أو بأسعار رمزية، ويمكن ربط تلك المبادرات بتطور المشروع لتشجيع الشباب حيث إنه يمكن أن يفقدوا تلك المساحة إذا ما تعثر المشروع بسبب الإهمال أو سوء الإدارة أو الإنتاج أو زيادة رقعة المساحة في حالة تطور المشروع ونجاحه .
– ومن الضروري للتجويد في مثل تلك المشاريع ربط المشاريع بالمنظر العام في تصميم منشآتها وبالاهتمام ببيئة المجتمع وسلامته لتكون البداية سليمة وصحيحة تكبر وتنمو مع نمو المشروع .
– ولا يفوتنا في هذه العجالة أن نُذكر بتأصيل عمل الشباب في المشاريع المتوسطة والصغيرة بأخلاقيات العمل الحر والصدق في العمل والتجويد في الإنتاج لاكتساب الاسم والسمعة الحسنة للتنافس في السوق العالمي والاستمرار في التنافس، ما دامت الجودة في تحسن، وكسب الأجر في نهاية المطاف من الله تعالى الذي بشر الصادقين وجعل التاجر الصدوق في زمرة النبيين والصديقين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

* المدير العام لمجموعة أدسيكو أبوظبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.