قال خبراء إن دبي نجحت خلال 2024 في تعزيز مكانتها وجهة عالمية للاقتصاد الإسلامي في العالم حيث نمت قيمة الصكوك المدرجة في أسواقها المالية بنسبة 167% منذ إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، مبادرة دبي عاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامي في أوائل العام 2024.
وتوقع الخبراء أن يصل حجم الأصول المصرفية الإسلامية في الدولة نهاية 2024 إلى 112 مليار دولار أميركي أي بنمو 18% عن العام 2024 الذي سجلت فيه تلك الأصول 95 مليار دولار أميركي.
وقامت دبي باستضافة الدورة العاشرة للمنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي في أكتوبر الماضي، الأمر الذي ساعد على تحفيز الاقتصاد الإسلامي بكافة قطاعاته بشكل كبير وتعزيز الاهتمام به في جميع أنحاء العالم. كما شهد العام قيام دول خارج منظمة التعاون الإسلامي بإصدار صكوك إسلامية لأول مرة في دبي.
صكوك
ووفرت البنية التنظيمية المتطورة لأسواق المال في دبي الأرضية الجاذبة لإدراج إصدارات عديدة من الصكوك الصادرة عن حكومات ومؤسسات محلية وإقليمية وعالمية ومن بينها حكومة دبي، والبنك الإسلامي للتنمية، وبنك الإمارات دبي الوطني، وفلاي دبي، فضلًا عن إدراج حكومة هونغ كونغ أولى صكوكها المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بقيمة 3.67 مليارات دولار في ناسداك دبي.
أما على المستوى العالمي فلا شك أن الاقتصاد الإسلامي أثبت حضوره في الدول غير الإسلامية واكتسب زخماً غير متوقع وثقة أكبر في فترة قياسية رغم كل التحديات التي تواجه القطاع. هناك نوايا جدية لتبني هذه المنظومة من قبل القطاع الخاص في العالم إلى جانب الحكومات انطلاقاً من المصداقية التي يمنحها في حماية الاستثمارات والأصول.
محطة قانونية
وخلص الملتقى السنوي الدولي السادس للقانونيين في الصناعة المالية الإسلاميـة الذي عقد في 22 ديسمبر الماضي في دبي إلى أن أبرز التحديات القانونية والشرعية التي تواجه الاقتصاد الإسلامي تتمثل في الحاجة إلى تقنين فقه المعاملات المالية الإسلامية وتنميط عقودها على المستوى الدولي، وأن تقنين فقه المعاملات سوف تكون آثاره الإيجابية على الصناعة المالية الإسلاميـة. وأوصى المشاركون في الملتقى الجهات المعنية بتطوير الاقتصاد الإسلامي إلى المسارعة في إنجاز مشروع تقنين أحكام المعاملات المالية الإسلامية ونقله لحيز التطبيق العملي من خلال قنوات التشريع المعتمدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
محطة تقنية
وقام مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي في 18 ديسمبر الماضي بتوقيع اتفاقية تعاون مع تومسون رويترز، لإطلاق بوابة إلكترونية متكاملة للاقتصاد الإسلامي العالمي تعتبر الأولى من نوعها وذلك بهدف تعزيز المحتوى الرقمي لقطاع الاقتصاد الإسلامي، وتسريع مسيرة دبي للريادة في قطاع المحتوى الرقمي الإسلامي، وتعزيز حضور دبي على شبكة الإنترنت، وتكريس مكانتها كعاصمة للاقتصاد الإسلامي. وتمثل البوابة مرجعاً عالمياً للمعلومات والبيانات حول الاقتصاد الإسلامي وقطاعاته، بما فيها التمويل، والأغذية، والسفر، ومنتجات التجميل، والصيدلة، إضافة إلى التصميم والبرامج الترفيهية، وقطاع الرعاية الصحية والتعليم.
مرحلة نمو
ويقول عبد الله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: «نحن مقبلون على مرحلة نمو للأصول المصرفية الإسلامية على مستوى الإمارات. فالتقرير الأخير لواقع الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2024 يشير إلى وصول معدل النمو السنوي المركب للأصول المصرفية الإسلامية في الدولة إلى نحو 17% حتى 2024. هذه الأرقام الواعدة تعود إلى عدة عوامل: أبرزها الزخم الذي شهدته مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي منذ إطلاقها في العام الماضي والدعم الذي وفرته مختلف الجهات الحكومية والخاصة لتحفيز قطاعات مختلفة تندرج ضمن استراتيجية المبادرة».
دور محوري
وأضاف العور: «لا شك أن القطاع المصرفي الإسلامي سيكون له دور محوري في جذب الأصول المصرفية. أما على الصعيد العالمي فقد أشار التقرير نفسه إلى النمو المحتمل لأصول التمويل الإسلامي في السوق الأساسية بـ 4.2 تريليونات دولار في 2024، وذلك ضمن سيناريو الانتشار الأمثل، ومن المتوقع بحسب التقرير الصادر عن غرفة دبي أن يحقق القطاع المصرفي الإسلامي أرباحاً تقدّر بـ 5 .30 مليار دولار أميركي بحلول عام 2024 وهذه إشارة واضحة إلى المسار التصاعدي للمصرفية الإسلامية على مستوى العالم والثقة التي اكتسبها الاقتصاد الإسلامي الذي أصبح نموذجاً للاقتصاد الآمن والمستدام نظراً للقوانين والأخلاقيات الناظمة له والمستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية.
وحول أبرز التحديات التي شهدتها صناعة التمويل الإسلامي في الدولة هذا العام قال العور: إنها الحاجة إلى توافر المزيد من الكوادر البشرية المؤهلة وتعزيز التعليم والمعرفة في القطاع إضافة إلى توحيد المعايير.
وأضاف: جرى خلال العام مناقشة تلك القضايا في العديد من المنتديات المحلية والعالمية وبرزت جهود ومبادرات جادة لمعالجتها وأعتقد أننا سنشهد قريباً حلولاً مجزية وفعالة لكل من هذه القضايا. إن تجاوز هذه التحديات سيجعلنا نرتقي بأهداف منظومة الاقتصاد الإسلامي ونساهم في حماية المنجزات واستمرارية التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة من خلال صناديق استثمارية مسؤولة اجتماعياً، تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وابتكار منتجات مالية تخدم متطلبات شرائح اجتماعية متنوعة من المسلمين وغير المسلمين.
خطط مستقبلية
وحول أهم خطط تطوير مبادرة الاقتصاد الإسلامي في المرحلة القادمة قال العور: «إن إطلاقنا لأول مؤشر للاقتصاد الإسلامي العالمي يشكل مرجعية غنية بالمعطيات والحقائق لرسم ملامح مستقبل المبادرة. فهذا المؤشر أعطانا صورة متكاملة عن فرص الاستثمار في قطاعات مختلفة ستشهد نمواً متزايداً في السنوات المقبلة كقطاع الأغذية الحلال على سبيل المثال لا الحصر. فضلاً عن ذلك، ثمة العديد من المبادرات التي سيتم إطلاقها قريباً لتعزيز هيكلة الاقتصاد الإسلامي والحوكمة والمعايير إضافة إلى استعداداتنا لعقد القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي في2020».
أصول إسلامية
من جانبه توقع الدكتور محمود سيد عبد العال الرئيس التنفيذي للشركة الإسلامية للتمويل «آفاق»، أن يصل إجمالي الأصول المصرفية الإسلامية في الإمارات إلى 112 مليار دولار أميركي أي بنمو 18% عن العام 2024 الذي سجلت فيه تلك الأصول 95 مليار دولار أميركي. ولفت عبد العال إلى أن انعقاد الدورة العاشرة للمنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي في دبي قد يكون الحدث الأبرز الذي شهده الاقتصاد الإسلامي هذا العام، حيث ساعد ذلك على تحفيز صناعة التمويل الإسلامي بشكل كبير وتعزيز الاهتمام بهذه الصناعة في جميع أنحاء العالم.
تحديات
وأوضح عبد العال أن أهم التحديات التي واجهت التمويل الإسلامي هذا العام تمثلت أولاً في افتقار القوانين والضوابط الاتحادية واللازمة لنمو وتطوير الصناعة المالية الإسلامية، لافتاً إلى أنه حتى في بعض الدول التي تملك نظامين ماليين إسلامي وتقليدي نجد هنالك حالة تضارب في المصالح وثانياً نقص الكوادر البشرية المؤهلة في التمويل الإسلامي وثالثاً عدم وجود ضوابط شرعية موحّدة فيما يتعلق بعقود التمويل الإسلامي، معرباً عن أمله في أن تتجاوز الصناعة تلك التحديات العام القادم.
وأضاف: «لا تزال مسألة الاختلاف في الفتاوى المتعلقة ببعض أنواع التمويل الإسلامي تشكّل هاجساً لدى الكثير من العملاء، لذلك من الضروري لتطوير التمويل الإسلامي أن يكون هنالك نوعاً من المركزية في إصدار الفتاوى تشمل كل المنتجات والخدمات التي توفرها المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي، لأن ذلك يوسع من قاعدة عملاء خدمات التمويل الإسلامي ويدعم باقي قطاعات الاقتصاد الإسلامي بالنتيجة.
وحول السبيل لتحقيق ذلك قال عبد العال: يمكن لحكومات الدول المهتمة بتطوير التمويل الإسلامي من جميع أنحاء العالم أن تتفق على تأسيس هيئة عالمية مهمتها إصدار فتاوى موّحدة تخضع لها كل المؤسسات والمصارف الإسلامية العاملة في تلك الدول، مشيراً إلى أن وجود مثل تلك الهيئة سيؤدي إلى نمو التمويل الإسلامي بشكل كبير.
انعكاسات إيجابية
وأضاف أن الاقتصاد الإسلامي تمكن من فرض وجوده على الساحة العالمية بفضل انعكاساته الإيجابية على كل جوانب الحياة التي تمس المستهلكين من المسلمين وغير المسلمين، فالتمويل الإسلامي يعتمد على الأصول كما أنه يتبع ضوابط صارمة توفرها هيئة التوافق مع الشريعة في المؤسسات والمصارف الإسلامية وهذا بحد ذاته عامل مهم من حيث إنه يمنح العملاء والمستثمرين ثقة أكبر بالمنتجات الإسلامية.
إقبال عالمي
من جانبه قال هاريس عرفان، المدير العام في بنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي: إن أبرز محطة شهدتها صناعة التمويل الإسلامي في 2024 قيام دول خارج منظمة التعاون الإسلامي بإصدار سندات إسلامية أو صكوك. متوقعاً أن تشهد الصناعة نمواً في إصدار منتجات إسلامية من قِبل جهات وشركات غير تقليدية خلال الفترة المقبلة.
وأضاف عرفان أن التحديات التي شهدتها صناعة التمويل الإسلامي لم تقتصر على السوق الإماراتي فحسب بل شملت باقي الأسواق الإسلامية. وأضاف: «تفتقر أسواق التمويل الإسلامي حول العالم للكوادر التي تتمتع بفهم عميق للمنتجات والمبادئ الأخلاقية الأساسية التي تقوم عليها تلك المنتجات. فهناك فجوة معرفية يتم سدها حالياً من خلال الاستعانة بمزيج يضم مصرفيين متدربين على العمل في البنوك التقليدية، ومتخصصين في الشريعة الإسلامية، وهذا حل مؤقت خلال المرحلة الانتقالية التي يشهدها القطاع».
مصاعب
ولفت عرفان إلى أن بعض العملاء المحتملين – وخاصة في مجال الخدمات المصرفية للأفراد – يواجهون مصاعب في فهم القيمة الحقيقية التي يوفرها التمويل الإسلامي ولا يلمسون فرقاً واضحاً بينه وبين التمويل التقليدي، وهذا ما توصلت إليه الدراسة الأخيرة لشركة الخدمات المهنية برايس ووترهاوس كوبرز. ويعود السبب في ذلك إلى عاملين رئيسيين: أولا محاولة عكس طبيعة الهندسة المالية لبعض المنتجات وإلباسها لباساً تبدو فيه متوافقة مع الشريعة الإسلامية، أما السبب الثاني فيتعلق بمدى فاعلية وانتشار تثقيف المتعاملين وتعزيز الوعي بأساسيات القطاع.
الأفضل عالمياً
قال الدكتور محمود عبد العال: إن دبي هي المدينة الأمثل عالمياً لتكون مقراً لهيئة عالمية مهمتها إصدار فتاوى موّحدة تخضع لها كل المؤسسات والمصارف الإسلامية العاملة في الأسواق الإسلامية، مشيراً إلى أن وجود مثل تلك الهيئة سيؤدي إلى دعم قطاعات الاقتصاد الإسلامي بشكل كبير. وأضاف: دبي المكان الأمثل لتكون مقرا لتلك الهيئة الشرعية العالمية، وذلك بفضل العديد من المقومات أهمها أن تولّي حكومة دبي مبادرة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي شكّل خطوة كبيرة للأمام في تاريخ الاقتصاد الاسلامي العالمي، حيث لم يسبق من قبل وعلى مدار عقود من الزمن أن حظي الاقتصاد الاسلامي برعاية رسمية بهذا الحجم الضخم من الدعم المادي والمعنوي، كما أن دبي هي مركز تجاري إقليمي وعالمي، لتمويل التجارة والخدمات اللوجستية لمنطقة جغرافية كبيرة من خلال مطاراتها وموانئها.
جهودتوحيد التشريعات يدعم نموّ التمويل الإسلامي
أجمع الخبراء على ضرورة إنشاء إطار تشريعي موحد، ينظم بيئة العمل ضمن منظومة الاقتصاد الإسلامي، في آسيا وكذلك في الشرق الأوسط.
وأشار الخبراء إلى ضرورة توحيد من هذا النوع لضمان نمو متماسك للتمويل الإسلامي على مستوى العالم، وليس فقط على مستوى آسيا والشرق الأوسط. فلا يزال التوحيد القياسي واحداً من أكبر التحديات التي تواجه علماء الدين الإسلامي، فلديهم تفسيرات مختلفة من التعاليم والفلسفة الإسلامية، وبالتالي فقد أصبح الآن جزءاً من الجهود المستمرة التي تبذلها مؤسسة المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي، لربط الأسواق وتعزيز الحوارات للبحث عن الإطار الممكن لمعالجة قضايا التوحيد معاً.
وعلى الرغم من النمو السريع، فإن التمويل الإسلامي لا يزال صناعة شابة مقارنة مع حجم التمويل التقليدي. وأضاف الخبراء: في سياق الأسواق المالية العالمية، فإن الاستثمار في الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والاستثمار في الصكوك يبقى صغيراً نسبياً من حيث الحجم، وبالتالي فإن هناك حاجة لبذل مزيد من الجهود، كما أن تشجيع التمويل الإسلامي سيستمر في أن يكون واحداً من الأمور التي يتم التركيز الرئيسي عليها لسنوات عديدة قادمة.