يتفق القادة والشركاء عبر دول مجلس التعاون الخليجي، على أن حل مشكلة بطالة الشباب أمر جوهري لتأمين الاستقرار الاجتماعي وضمان الرفاه والازدهار الاقتصادي في المنطقة .
ومع ذلك، يعتبر التأكيد على معدلات البطالة العالية التي تصل إلى رقمين في العادة، أن المعالجة الفاعلة للمشكلة ستتطلب أكثر من التوسع الاقتصادي وقدرة الميزانية .
وقد كشفنا في تقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي" الأخير بعنوان: "إعادة التفكير حول العمالة العربية"، أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي إذا جرى تمديد أجل العقد الاجتماعي الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي .
وهناك حاجة لإعادة صياغة شاملة لنظام العمالة إذا كنا نرغب في الوفاء بتطلعات المنطقة وشبابها على المدى الطويل .
وعمل نظام العمالة الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل جيد منذ نشوئه في الأعوام التي أعقبت الطفرة النفطية عام ،1973 وربما يكون النجاح الذي تحقق في العقود التالية خادعاً وينحرف عن ضرورة التفاعل بطريقة مضبوطة مع حقائق الأمور، والتاريخ الحديث حافل بالصناعات العالمية الناجحة التي أخفقت في التواؤم مع التقنيات الخارجة عن السيطرة .
وفي حين أننا نجد أن تحديات بطالة الشباب ليست أمراً جديداً، فقد تحول السياق الذي ينبغي من خلاله مواجهة المشكلة بشكل ملحوظ مع مرور الوقت .
وتحتوي دول مجلس التعاون الخليجي حالياً على أرقام غير مسبوقة من الشباب الذين يواجهون مستقبلاً غير مؤكد للتوظيف، بجانب ارتفاع في تكاليف المعيشة، وتزايد مطرد في أعداد المواطنين المطّلعين بشكل جيد .
ويعتمد الاستقرار الاجتماعي في صورته الحالية على السعة الاستيعابية للقطاع العام، في حين يقوم الازدهار الاقتصادي على التنافسية وهو يعتمد على القوى العاملة الأجنبية .
وعندما نأخذ في الاعتبار الظهور الشبابي الحالي، فإنه يصبح من الواضح أن الاستقرار والازدهار لا يمكن تحقيقهما معاً ما لم يصبح الشباب موظفين بشكل أكثر إنتاجية في القطاع الخاص .
ويترتب على ذلك أنه، وفي حين تبقى هناك حاجة قليلة حتى الآن لتطوير الإمكانات الإنتاجية للقوى العاملة الوطنية، فإن حقائق التركيبة السكانية السائدة والحاجة المتزايدة لتنويع الاقتصاد، كلاهما يجعل من مثل تلك المبادرة أمراً ضرورياً .
وتخفف أسعار النفط، التي استمرت في الارتفاع بالتوازي مع النفقات، من تطورات عدم الاستقرار في الوقت الراهن، ولكنه لا يمكن أخذ هذا الاتجاه كأمر مسلّم به، فقد تدفع التخفيضات الهيكلية طويلة المدى لأسعار النفط والغاز، للتساؤل حول مقدرة الحكومات على توفير الخدمات وتقديم الدعم اللذين يشكّلان العقد الاجتماعي الحالي .
وبالإضافة إلى ذلك فإن نظام العمالة الحالي في دول مجلس التعاون الخليجي هو هش، وذلك على ضوء العوامل التي تقف وراء أسعار النفط .
ويتوقع حصول تدفقات خارجة صافية من القوى العاملة الأجنبية، وتوتر اجتماعي بين المواطنين والأجانب، وتدني وركود في إنتاجية القطاع الخاص، في سياق الضغوط المستقبلية المحتملة والتي بدأ بعضها في الظهور مسبقاً .
وعلى أي حال فإن معظم الضعف في تجفيف النظام الحالي، يكمن بشكل لا يتجزأ في التبعيات الداخلية المتبادلة بين الشباب والسلطات .
فقد تمت إعاقة الشباب من أن يتم تحويلهم بشكل منتج إلى نظام تنافسي هو القطاع الخاص، لأن البيئة التي توفر الحماية بشكل مفرط من التي ترعاها نظم الحكم، قد أخفقت في تزويدهم بالحوافز والمهارات الضرورية اللازمة لذلك .
وبالتالي فإن المطلوب هو إعادة تشكيل نظام العمالة في المستوى السلوكي بالنسبة لجميع الفاعلين من شباب، وحكومة، ومعلمين، وأرباب للعمل في القطاع الخاص، وآباء، وتوليف العقد الاجتماعي ليتواءم مع هذه الحقائق الجديدة .
نحتاج إلى العمل اليوم حيث ما زالت الثروة والنمو الاقتصادي يسمحان بذلك، فإعادة صياغة نظام العمالة، وصناعة شكل جديد من الاستقرار الاجتماعي قد تجران لتحمل تكاليف على المدى القصير واستياء عام كنتيجة للتواؤم مع المسؤوليات الجديدة، ولكن تلك التدابير الهيكلية المكثفة فقط هي التي ستقود إلى:
أولاً: تمكين دول مجلس التعاون الخليجي من الاستفادة بشكل كامل من "مخصصاتها الشبابية"، وما يترتب عليه من التأكيد على زيادة الرفاه والازدهار الاقتصادي .
وثانياً: تفادي تحمل تكاليف أكبر على المدى البعيد قد يفرضها تمديد العمل بالنظام الحالي، بما في ذلك الخطر على الرفاه والازدهار إذا تم توظيف الشباب بصورة غير منتجة، والذي يبلغ ذروته في صورة عدم استقرار اجتماعي ومخرجات اقتصادية فقيرة في خاتمة المطاف .
الخليج