أظهرت تداولات الأسهم في بورصة قطر، خلال الأيام القليلة الماضية، سلوكا جماعيا غير رشيد. وقد اتسم ذلك السلوك بغريزة القطيع. حيث اكتست شاشات التداول باللون الأحمر دونما مبرر. لعل السبب خلف ذلك، هو الهلع والفزع والأثر النفسي للإشاعات المرتبطة بانخفاض أسعار النفط. والارتدادات الناجمة عن هبوط أسعار الأسهم في دول مجاورة وقريبة، دون الأخذ بعين الاعتبار المقومات الاقتصادية لدولة قطر.
ومن الواضح، بأن أيا من المشاركين بهذا السلوك غير الرشيد، لم يكلف نفسه تحليل الإشاعات والمعلومات التي تتضمنها. فلو تم تحليل المعلومات الكلية، أي المتعلقة بالاقتصاد الوطني ككل، أو المعلومات الجزئية المتعلقة بكل شركة على حدة لكانت النتيجة مغايرة. ولشاهدنا ألوان شاشات التداول متباينة ومتنوعة.
فعلى مستوى الاقتصاد الكلي، فإنه من المتوقع أن تحافظ التنمية الاقتصادية الاجتماعية والنهضة العمرانية التي تشهدها دولة قطر على وتيرة نموها. وذلك لمحدودية تأثيرهبوط أسعار النفط على الإيرادات العامة للدولة من جهة، وعلى تنفيذ الخطط الطموحة لدولة قطر، المتمثلة برؤية قطر الوطنية 2030، واستراتيجية التنمية الوطنية 2024-2016 من جهة أخرى.
حيث كانت الموازنة العامة للدولة 2024-2015 متحفظة من جهة الإيرادات. فقد احتسبت التقديرات على أساس سعر 65 دولارا لبرميل النفط. هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار برميل النفط خلال النصف الأول من الفترة التي تغطيها الموازنة بشكل كبير تجاوز نسبة 50%.
فقد كان من المتوقع، أن تحقق الموازنة فائضاً مقداره 7.3 مليار ريال قطري. وعلى الرغم من هبوط أسعار النفط، فإنه مازال من المتوقع أن تحقق الموازنة عند مستوى 60 دولارا للبرميل فائضاً يقدر بـ 25 مليار ريال قطري في نهاية الفترة التي تغطيها الموازنة. وذلك بسبب ارتفاع أسعارالنفط خلال النصف الأول فوق مستوى سعر الأساس بنسب كبيرة كما سبق وأسلفنا.
لذلك وبالرغم من انخفاض سعر برميل النفط، فإن الإيرادات العامة لن تتأثر سلباً، بل نتوقع على العكس، أن تختتم السنة المالية للدولة على ارتفاع في فائض الإيرادات العامة عن المصروفات العامة.
لذا فإننا نستبعد أن تتأثر المصروفات العامة الفعلية وتنفيذ المشاريع الرئيسية الكبرى. بل نتوقع أن تحافظ على وتيرتها بالرغم من انخفاض أسعار النفط. كما نتوقع أن تحافظ المخصصات المالية في قطاعي الصحة والتعليم والإنفاق الاستثماري على نفس المستويات المخطط لها.
كما أنه من شأن الفائض الفعلي المتوقع، والمقدر بمبلغ 25 مليار ريال قطري. أن يعزز قدرة الدولة على الاستثمار الخارجي، وبناء احتياطيات إستراتيجية لمواجهة أية طوارئ، إذا ما استمر انخفاض أسعار النفط في السنة المالية القادمة2020-2016. وإعداد مشاريع طموحة للموازنة العامة للسنوات القادمة تنفيذاً لرؤية قطر الوطنية 2030.
لذا فإن السلوك غير الرشيد، الذي شاهدناه في الأيام القليلة الماضية في بورصة قطر، هو سلوك غير مبرر بناءً على المؤشرات الكلية.
أما من ناحية المؤشرات الجزئية وعلى مستوى الشركات المدرجة، فقد أعلنت معظم الشركات عن نتائج إيجابية، وتحقيق أرباح جيدة، وعن خطط طموحة وواعدة.
كما تتمتع معظم الشركات بمؤشرات أساسية مقبولة، من حيث مؤشر السعر إلى العائد، ومؤشر السعر للقيمة الدفترية.
لذا ومن هذه الزاوية أيضاً، فإن ماحصل غير مبرر بنفس القدر. ويمكن اعتبار تداولات الأسهم في الأيام القليلة الماضية، التي تراوحت فيها التباينات السعرية بنسب من 25 إلى 30%. هي صفقات غبن اتسمت بالرعونة والطيش البين، وتسببت بخسائر كبيرة للأفراد من جهة، ولرسملة السوق ولمؤشر بورصة قطر.
فهل نستخلص العبر ونفهم الدرس ونمنع تكرار هذه الأزمة غير المبررة أصلاً، ونتحرى في المستقبل الأسباب والعوامل والتفاعلات، كي نتجنب نتائج غير منطقية وخسارة غيرر مبررة. فالمطلوب بسيط جداً، ويقع ضمن قدرات الشخص العادي.
حيث يجب أن نقوم بإجراء تحليل بسيط ومنطقي، قبل اتخاذ القرار سواء شراء الأسهم أو بيعها، ونقرأ المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني ثم المؤشرات الأساسية لكل شركة ونطلع على بياناتها المالية أيضاً. وهذا التحليل البسيط قريب من أنامل كل منا، والمطلوب فقط فتح الصفحات ذات الصلة على الشبكة العنكبوتية وقراءتها والاستدلال من خلالها على المؤشرات الكلية الأساسية لكل شركة ثم اتخاذ القرار. فهل تعلمنا الدرس واستخلصنا العبر أم مازلنا نحضر لسلوك غير رشيد، آخر يؤدي لهدر المال وزعزعة الثقة بالأسواق المالية. فالأسواق المالية يجب أن تكون ملاذاً للاستثمار الآمن.