أرقام
عادت اليونان من جديد لتتعرض لأزمة مالية، مع عدم توصلها لإتفاق مع دائنيها حول شروط منحها مساعدات جديدة، مع قرب نفاذ السيولة المالية في البلاد.
وتمكنت اليونان من سداد جزء من ديونها لصالح صندوق النقد الدولي بقيمة 750 مليون يورو (851 مليون دولار أمريكي) من خلال الاعتماد على حصتها في حساب احتياطي للصندوق نفسه.
واعتبر تقرير نشره موقع "بروجيكت سنديكيت" أن عودة اليونان لحافة الأزمة الاقتصادية لم يكن مفاجئًا، حيث أن الحكومة اليونانية الجديدة بقيادة رئيس حزب "سيريزا" اليساري "أليكسيس تسيبراس" ترى أن خطر التعثر في سداد الديون، وما يعنيه هذا من إحتمالية إنهاء وحدة منطقة اليورو، يوفر قاعدة تفاوضية هامة مع دائنيها.
خيارات استراتيجية
وأوضح تحليل الخبير الاقتصادي "أناتول كاليتسكي" أنه بعد مرور أشهر على تولي الحكومة الجديدة مقاليد السلطة في اليونان، فإن رئيس الوزراء اليوناني "تسيبراس"، ووزير ماليته "يانيس فاروفاكيس" لايزالا متلزمين بنفس وجهة النظر، بالرغم من افتقادها لأي دليل يثبت صحتها.
ويرى "كاليتسكي" أن الحسابات اليونانية بُنيت على فرضية خاطئة، حيث افترض "تسيبراس" و"يانيس" أن التعثر في سداد الديون سوف يجبر أوروبا على اختيار أحد الخيارين، أما إخراج اليونان من عضوية منطقة اليورو، أو خفض قيمة الديون التي تثقل كاهل أثينا.
إلا أن السلطات الأوروبية كان لها رأي ثالث فيما يتعلق بإمكانية تعثر اليونان، وهو أنه بدلًا من إجبار أثينا على الخروج من عضوية منطقة اليورو، فإن الاتحاد الأوروبي سيقوم بمحاصرة اليونان داخل المنطقة ووقف تدفق الأموال عليها، ثم مراقبة انهيار الدعم السياسي المحلي لحكومة "تسيبراس".
واعتبر التحليل أن هذه الاستراتيجية الرامية إلى انتظار نفاد السيولة المالية من اليونان، تبدو كأفضل الطرق التي من المتوقع أن يتمكن من خلالها الاتحاد الأوروبي من كسر مقاومة اليونان بها.
وتواجه الحكومة اليونانية صعوبة متواصلة في نهاية كل شهر، من أجل تجميع رواتب ومعاشات الموظفين الحكوميين، وهو ما يثير احتمالات نجاح مسعى الاتحاد الأوروبي.
وأشار التقرير إلى أن وزير المالية اليوناني يلجأ لتدابير يائسة للغاية، مثل الحصول على الأموال من الحسابات المصرفية للبلديات، والمستشفيات.
كما تضررت عمليات تحصيل الضرائب بشدة من الفوضى الاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ الانتخابات العامة في يناير/كانون الثاني، لتصبح الإيرادات الحكومية غير كافية لتغطية المصروفات اليومية.
وفي حال صدقت البيانات الرسمية الصادرة عن اليونان – حيث إن الإحصائيات المالية اليونانية غير موثوق بها بشكل عام بالنسبة لمسؤولي الاتحاد الأوروبي – فإن الاستراتيجية التفاوضية لليونان "محكوم عليها بالفشل".
القواعد تتغير
ويرى التحليل أن استراتيجية رئيس الوزراء، ووزير المالية اليونانيين افترضت أن أثينا يمكنها التهديد بالتعثر عن سداد ديونها، لأنه في حال أجبرت الحكومة على ذلك بالفعل فإنها سوف تمتلك أموالًا كافية لسداد الأجور والمعاشات، وتكاليف الخدمات العامة.
ولكن كان هذا الافتراض صحيحًا في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حيث كانت الموازنة الحكومية اليونانية تشهد وجود فائض أساسي يُقدر بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي حال كانت تعثرت اليونان عن سداد ديونها في يناير/كانون الثاني الماضي، كان الفائض الأساسي سيتحول من سداد فوائد الديون إلى تمويل الأجور والمعاشات والخدمات العامة المتزايدة، والتي وعد حزب "سيريزا" خلال الحملة الانتخابية بزيادتها.
كما كان التهديد بالتعثر عن سداد الديون – لو تحقق آنذاك – ليمنح وزير المالية اليونانية فرصة للتفاوض مع وزراء مالية منطقة اليورو على خفض قيمة الفوائد التي تسددها بلاده، وإلا ستضطر لعدم سداد أي فوائد والاكتفاء بتمويل الإنفاق العام في البلاد.
وأبرز التقرير حقيقة أن فائض الموازنة اليونانية قد انتهى الآن، وهو ما جعل التهديد بالتعثر عن السداد لم يعد يتمتع بأي مصداقية، كما أنه لن يمنح الحكومة فرصة الوفاء بالتزامتها المتعلقة بزيادة الأجور والمعاشات، بل أنه سوف يتطلب خفض أكبر في الإنفاق العام مما تطلبه بالفعل "الترويكا".
كما أنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن تعثر اليونان عن سداد ديونها الآن لم يعد يمثل مشكلة كبرى كما كان سابقًا، بالإضافة إلى أنه لم يعد مضطرًا لردع أي احتمالات للتعثر عن طريق التهديد بالاستبعاد من عضوية منطقة اليورو، بل على العكس سوف يعتمد على الحكومة اليونانية نفسها لمعاقبة الشعب من خلال الفشل في سداد الأجور والمعاشات، وضمان الودائع المصرفية.
ماذا بعد التعثر؟
وأشار " أناتول كاليتسكي" إلى أن الآليات القانونية والسياسية لمعاملة اليونان مثل "البلديات المفلسة" تعتبر واضحة تمامًا، حيث إن المعاهدات الأوروبية تشير بشكل واضح إلى أن عضوية اليورو "لا رجعة فيها"، إلا في حال رغبت الدولة ليس في الخروج فحسب من منطقة العملة الموحدة، وإنما من عضوية الاتحاد الأوروبي بأكمله.
وفي حال تعثرت اليونان عن سداد ديونها، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يصر على أن تبقى "اليورو" العملة القانونية الوحيدة، وحتى في حال قررت الحكومة اليونانية دفع الرواتب والمعاشات عن طريق طبع "سندات دين"، فإن السلطات القضائية الأوروبية سوف تحكم بسداد الديون المحلية، وودائع البنوك باليورو.
وسيؤدي هذا السيناريو إلى تعثر المواطنين اليونانيين أنفسهم عن السداد، بالإضافة إلى الدائنين الأجانب، بسبب أن الحكومة اليونانية لن تكون قادرة على ضمان قيمة اليورو من الودائع في البنوك اليونانية.
وأكد التقرير أن تعثر اليونان عن سداد ديونها لن يسمح لحزب "سيريزا" بالوفاء بتعهداته في الانتخابات، كما قد يدفع بمزيد من الإجراءات التقشفية على المواطنين اليونانية، ما سيقصي الحزب اليساري من الحكومة.