أشار تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت” الأمريكية إلى أن التراجع في أسعار النفط يعد أحد أبرز عوامل إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، واعتبر التقرير أن هناك سببين أساسيين يدعمان استمرار هبوط أسعار الخام خلال الفترة المقبلة، بعد أن فقد نحو 55% من قيمته منذ شهر يونيو/حزيران الماضي.
1- الطاقة الفائضة:
تحدد أسعار السلع بناءً عن حجم الفجوة بين الطلب والعرض، ومع ارتفاع العرض العالمي وتراجع الطلب على النفط شهدت أسعار الخام هبوطًا كبيرًا، وتحركت السعودية من أجل إعادة استعادة حصتها السوقية المفقودة لصالح الولايات المتحدة عن طريق إبقاء الإنتاج عند نفس المستوى دون تخفيض، بصرف النظر عن الأسعار.
ومع تراجع النظرة المستقبلية بشأن الاقتصاد العالمي يشهد الطلب على النفط تراجعًا، مع خفض حاد في التوقعات بشأن استهلاك الخام.وتوقعت وكالة الطاقة الدولية توازنًا أكبر بين الطلب والعرض بنهاية العام الجاري، مع خروج العديد من مشروعات الإنتاج النفطي عالي التكلفة من السوق.
ويتعرض المنتجون الأعلى في منحنى التكلفة للمخاطر الأكبر، في حين يتصدر النفط الرملي قائمة مصادر الإنتاج الأقرب للتوقف بسبب الهبوط في أسعار الخام.
ويعلم التجار أنه حتى مع وقف بعض الشركات إنتاجها النفطي، إلا أنه يمكن إعادته سريعًا من جديد، وهو أحد الأسباب التي أسهمت في استمرار الأسعار المنخفضة للخام طوال الخمسة عشر عامًا التالية لانهيار الأسعار في عامي 1985 و1986، وهو ما يعتقد بعض المحللين أنه أمر مشابه لما يشهده العالم في الوقت الحالي.
كما تتجاوز الفجوة بين الطلب العالمي والطاقة الإنتاجية الإجمالية توقعات الكثيرين، حيث تقوم وكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية بإحصاء النفط القابل لدخول الأسواق في غضون أسابيع فحسب.
ويقدر “ليناردو موجيري”، المدرس المساعد في قسم العلوم والعلاقات الدولية بجامعة “هارفارد” الأمريكية – والذي توقع الانهيار الحالي في أسعار النفط منذ عام 2024 – الطاقة الإنتاجية العالمية بنحو 101 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل زيادة بحوالي 10% عن الطلب العالمي في العام المقبل.
وأشار “موجيري” إلى أن النفط الصخري الأمريكي، والإنتاج المحدود من الخام أكثر مرونة مما يتوقع الكثيرون، بسبب انخفاض قيمة “تكاليف التعادل”، ومستويات الإنتاجية العالية، كما تتراجع رسوم الخدمات في الوقت ذاته.
وقد تدفع هذه المرونة في الإنتاج السعودية إلى مواصلة “حرب الأسعار” خلال العام الجاري، قبل أن تنجح هذه الاستراتيجية في القضاء على جزء من المعروض الفائق عن الحد.وبشأن باقي أنحاء العالم، يعتقد “موجيري” أن منتجي النفط سوف يخفضون الاستكشافات الجديدة، وليس مصروفات التطوير، ما يعني استمرار إضافة طاقة إنتاجية جديدة.
2- الطلب المتراجع:
من المفترض نظريا أن يؤدي التراجع في أسعار الوقود إلى زيادة الاستهلاك، مع ارتفاع القدرة الشرائية للمستهلكين، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي لزيادة توقعاته لمعدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال العام الجاري.
ولكن يشير التراجع في أسعار النفط أيضًا إلى ضعف الاقتصاد العالمي، مع عدم وجود مؤشرات على ارتفاع الطلب في المستقبل القريب، كما خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن فوائد التراجع في أسعار النفط لن تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد العالمي.
وتشهد اليابان، ومنطقة اليورو معاناة اقتصادية في محاولة تجنب الدخول مجددًا في مرحلة كساد، مع التوقعات باستمرارهما في تسجيل ركود في النمو خلال السنوات المقبلة.كما يسهم التراجع في أسعار النفط في دعم توقعات هبوط معدلات التضخم، حيث يمتنع المستهلكون والشركات عن الإنفاق الحالي في حال توقع مزيد من الانخفاض في الأسعار مستقبلًا.
كما يعتبر التراجع في معدل نمو الاقتصاد الصيني أحد أبرز العوامل التي تؤثر في أسعار النفط، حيث دفعت الصين أسعار النفط للوصول لمستوى 150 دولاراً للبرميل قبل الأزمة المالية العالمية، بعد أن سجلت معدل نمو بلغ 14% في عام 2024، في حين تسبب خفض توقعات النمو لثاني أكبر اقتصاد عالمي في تسريع الهبوط في أسعار الخام.وكانت الصين قد سجلت نموًا اقتصاديا بمعدل بلغ 7.4% في العام الماضي، وهو أدنى مستوى للنمو في البلاد منذ 24 عامًا.