وأكد بورشيد أن ما يشترك به جميع "المضبوطين" بجريمة التسول هو عدم حاجتهم الحقيقية للتسول، وأنهم يمتهنون هذا السلوك غير الأخلاقي مستغلين كرم وتسامح المجتمع الإماراتي؛ وضيوفه من المقيمين والزائرين الشرفاء، وبما لا يتورعون معه على الاتيان بأفعال تمس سمعة المجتمع والوطن، خاصة حين يتسترون تحت الزي الوطني الإماراتي (العباية أو الكندورة) ويستغلون مشاعر النبل والمناسبات الدينية وأجواءها الروحانية؛ كشهر رمضان الفضيل وبما يسيء إلى حرمته وقدسيته من جهة، ويعكس صورة سلبية خلافاً لواقع التكافل الاجتماعي والرفاه الاقتصادي الذي يتمتع بهما الناس في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح بورشيد أن سلوك التسول لا يرتبط بالحاجة؛ بل بمثلب أو "نقص" أخلاقي، خاصة أن الزائر أو المقيم المحتاج حقاً تجده متعففاً ولا يلجأ لسؤال الناس بأسلوب يمتهن كرامته، علماً بأن هناك عشرات المنافذ الخيرية التي تتكفل بالمحتاجين الذين يمتلكون إثباتات وأدلة على حاجتهم؛ فيما يلجأ المحتالون ومدعو الحاجة إلى التسول كأسهل الطرق لجمع المال.
المتسول الوقح
يروي العقيد بورشيد قصة متسول عربي؛ يتخذ من أحد فنادق العاصمة ذات المستوى الراقي سكناً له، وأنه درج على القدوم إلى الإمارات منذ سنوات في الموعد ذاته "قبيل شهر رمضان"، ويمضي الشهر الفضيل متنقلاً بسيارة سياحية أمام الجمعيات التعاونية والأسواق، يسأل الصائمين مبلغاً من المال كي يستكمل به رحلته إلى السعودية لأداء العمرة بعد أن تقطعت به السبل وفقد نقوده حسب زعمه.
ويتابع بورشيد قائلاً: "إن المتسول، الذي عثر بحوزته على مبالغ مالية وملابس فاخرة ومقتنيات ثمينة، زعم أنه اشتراها كهدايا لذويه وكان ينوي نقلها لهم في موطنه بحلول عيد الفطر المبارك، صادف أن قابل شاباً عربياً، وطلب المتسول منه مبلغاً مالياً لوقود سيارته يوصله إلى البيت الحرام، فأخرج الضحية حافظة نقوده ليجد بها مبلغاً يقارب 400 درهم وكان المتسول ينظر بإمعان إلى محتويات محفظته، فأعطاه النصف واحتفظ لنفسه بالنصف الآخر ليكمل به التسوق لأسرته، غير أن المتسول طلب 50 درهماً إضافية كوجبة إفطار صائم يأكلها خلال الطريق.
وتحت إلحاح المتسول وخجل الضحية أعطاه 50 درهماً أخرى، ليعاود المتسول سؤال الضحية عن مبلغ آخر (25 درهماً) يحتاجها لثمن النرجيلة الضرورية بعيد الإفطار، فما كان من الضحية إلا أن أدرك أنه أمام متسول "وقح و قليل حياء"؛ فجاراه في مطالبه بعد أن طلب إليه الانتظار في مركبته لحين سحب مبلغ إضافي من الصراف الآلي كي يفي باحتياجاته المتعددة والضرورية! وباشر في الإبلاغ عنه فقبضته "التحريات" ووفرت له كل ما يحتاج إليه.
ويستحضر بورشيد قصة المتسول الذي ضبطته الشرطة قبل سنوات يجلس أمام أحد المساجد؛ ويمد رجله الملفوفة بقماش أبيض ويضع إلى جانبه عكازه الخشبية، إلا أنه ما أن لمح الشرطة حتى فر هارباً مطلقاً كلتا ساقيه للرياح تاركاً عكازه خلفه، وذلك كمثال على عدم تورع المتسولين عن الاتيان بأي شكل أو هيئة تستدر العطف والمال.
واستنكر قيام أحد المضبوطين بتسخير الدين ونصوصه لتحقيق مآرب شخصية؛ ومطامع دنيئة دون فهم ولا تبصر بحقيقة تلك النصوص الكريمة، مدللاً على ذلك بزعم أحد المتسولين؛ الذين ضُبط بحوزته مبلغ من المال يقارب 50 ألف درهم؛ وبعض المصوغات الذهبية والتي تبين لاحقاً أنها مسروقة، حيث أبلغ بدوره أحد حراس التوقيف، أن هدفه كان مشروعاً وأنه ينوي الزواج بأخرى ليكمل نصف دينه الآخر بعد أن استكمل نصفه الأول بالزواج من زوجته الأولى.
فيما تذرع متسول آخر بأنه إنسان محترم؛ وكان يعمل في بلده "مديراً"، -لم يوضح طبيعة تلك الإدارة -إلا أنه أصر على كونه ممن لا يأتون هذه الأفعال الشائنة من التسول أو الاستغلال أو غيرها، لولا أن زوجته ألحت عليه بتوفير النقود الكافية لإجراء عملية جراحية تجميلية، ونظراً لارتفاع أجور الأطباء والمواد التجميلية المستخدمة في ذلك.
أعرب الدكتور بورشيد عن بالغ استيائه حيال من وصفهم ب "اللوتيين" أو المحتالين الذين ينغصون على الناس عيشهم، عبر ابتكارهم أساليب حديثة في التسول عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني؛ التي يزعمون فيها حاجتهم لرصيد هاتفي أو مبلغ مالي، مناشداً الجمهور عدم الاستجابة لمطالبهم؛ ووضع الحاجز الإلكتروني على تلك الأرقام والمصادر البريدية والإبلاغ عن أي مضايقات يتعرضون لها.