وتمثل ابو ظبي أرض الفرص بالنسبة للكثير من العمالة الوافدة، ويأتي البعض إليها لجني ثروة، وهناك آخرين يبحثون ببساطة عن فرصة عمل لا تتوافر في بلده، مع ذلك فإن المزيد من الإماراتيين يلتحقون بقوة العمل للمشاركة في صياغة مستقبل بلدهم.
والتقت أمانديب بانجيو، مراسلة بي بي سي، بخمسة أشخاص يعيشون في أبوظبي لمعرفة طبيعة حياتهم في العمل.
وتمثل حمدة القبيصي، 26 عاما، موجة جديدة من العمالة في الإمارات وتشغل منصب ضابط أول في شركة طيران الاتحاد وتقود طائرة أيرباص a320 في رحلات قصيرة بالمنطقة.
ومثل الكثير من أبناء وطنها، الذين يشاركونها الحياة في البلد ذات الثروة النفطية الهائلة، فهي لا تحتاج إلى الخروج للعمل لكنها تقول “أريد أن أعمل، أريد أن أرد الجميل لبلادي لأنها قدمت لي الكثير.”
وعثرت على ضالتها في إعلان بإحدى الصحف يطلب طيارين للتدريب، وتقدمت للوظيفة وقبلتها شركة الاتحاد لتنضم لجدول المتدربين الذي تموله الحكومة بالكامل.
وتضيف “ما كنت لأقود طائرة بدون هذا التمويل، لأنني أعتقد أن عائلتي ما كانت لتسمح لي بهذا العمل لو كان التدريب في خارج البلاد.”
وتوضح أنها تقدمت للعمل لمضايقة أشقاءها، “عندما أخبرتهم برغبتي في أن أقود طائرة ردوا بأنني لا أستطيع، لذلك اعتقدت أنني يجب أن أفعل هذا وأثبت أنهم كانوا على خطأ.”
ويمثل قطاع الطيران جزءا رئيسيا من أهداف الحكومة لتنويع الاقتصاد أكثر من مجرد الاعتماد على النفط.
وتقود الإمارات طفرة في الرحلات الجوية طويلة المدى، خاصة بين آسيا والغرب وتوفر خدمة التوقف الراقية أثناء الرحلة.
ويعد مطار دبي الأكثر ازدحاما في العالم، لكن أبوظبي هي المقر الرئيسي لشركة الاتحاد الوطنية، أحدى اسرع شركات الطيران نموا في العالم.
ويتمثل التحدي المتزايد أمام القبيصي في قدرتها على شق طريقها في مجال يهيمن عليه الذكور بالكامل.
وتتابع “أبذل دائما ضعف جهد زملائي الذكور لأظهر قدرتي على أداء عملي، وأريد أن أصبح كابتن طيار، فأنا أعشق الطيران وكل يوم أرى شيئا مختلفا.”
وتمثل شيخة محمد الكعبي، نموذجا لسيدة إماراتية أخرى قادها حبها للطعام الإماراتي إلى أن تطور أعمالها فيه، من خلال شاحنة بيع الطعام لجذب الزائرين بعيدا عن المطاعم ذات الخمس نجوم في المدينة.
وتقول الكعبي، 33 عاما “أدركت أن زوار أبوظبي لا يجربون الطعام الإماراتي، حتى عندما تسأل من يعيشون هنا عن طعامهم الإماراتي المفضل، غالبا ما يتحدثون عن طعام لبناني أو شرق أوسطي.”
وأنشأت السيدة الإماراتية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مطعما لتقديم الوجبات الإماراتية الخفيفية في شاحنة أطلقت عليه “ميلس” أو “مجلس.”
ويستخدم الزبائن شبكات التواصل الاجتماعي لتحديد مكان المطعم المتنقل للحصول على الأطباق التي تصنعها بإلهام من وصفات والدتها وجدتها.
ورغم أنها تنحدر من عائلة ثرية وذات نفوذ في أبوظبي إلا أنها تصر على أن عملها هو حياتها.
وتقول “لا استطيع الحياة بدون عمل، فهو أمر هام بالنسبة لي، أريد اثبات ذاتي لوالدي، كما أننا كإماراتيين نريد اثبات أنفسنا للعامل الخارجي، الذي يعتقد أننا نعيش على ثروات عائلاتنا وبلادنا.”
وفي الحقيقة فإن اسم مشروعها يعكس تلك الروح، ميلس أو مجلس تعبير محلي يعني “مكان تجمع الأسرة، أشبه بغرفة المعيشة.”
وبالنسبة للمدرس الأمريكي، دوريان بول روجرز، فقد انتقل من الولايات المتحدة إلى أبوظبي في 2024 كواحد من ملايين المغتربين الذين قدموا إلى الإمارات بحثا عن عمل أفضل.
ويقول إن شغفه الحقيقي هو تنظيم الفعاليات الثقافية، وبدأ منذ ثلاث سنوات تنظيم أمسيات شعرية موسيقية باسم إيقاعات على السطح “روفتوب ريتمز”، والتي تستغل في المشهد الثقافي الشعبي المتزايد.
وجذبت الفعالية التي بدأت كأمسية تقام شهريا المغتربين والإماراتيين على حد سواء، وتعد الآن واحدة من أكبر الفعاليات الشعرية المباشرة للجمهوري في الشرق الأوسط.
وتابع “الآن أنظم عديد من الأمسيات خلال الشهر، من الشعر العربي إلى موسيقى السول والبلوز، كما استضفت مؤخرا مهرجان دولي للشعر”، وهو ما دفعه للتفكير في ترك التدريس.
ويقول روجرز إن هناك اختلافا بين ما يقوم به هنا وخبراته في تنظيم وأداء مثل تلك الفعاليات في الولايات المتحدة.
ويوضح أن هناك بعض القواعد التي يلتزم بها ليكون العمل متوافقا مع المبادئ المعمول بها في الإمارات.
وكل شخص يشارك في الأمسيات يكون حذرا من اللغة العدائية أو الابتذال أو الحديث في السياسة الداخلية للإمارات أو الترويج لأي ديانة أخرى غير الإسلام وإلا سيواجه بقسوة.
ويضيف إنه انتقل إلى الإمارات بفكرة واحدة هي أنه ضيف متواضع مستعد للتكيف مع مجتمع وثقافة جديدة، “عند زيارتك منزل أي شخص، هناك قواعد يجب أن تتبع.”
ونظرا لوجود 80 في المئة من سكان الإمارات مغتربين، فإنهم يعملون في قطاعات عديدة، ويوجد الكثير في البنوك وأخرين يذهبون للعمل بالملابس الرسمية، لكن هناك أيضا من هم مثل السيدة الفلبينية إلسا فورتونا كالادو، وتعمل سائقة تاكسي منذ خمس سنوات وتقول عن عملها “المال أفضل بكثير هنا، كما لا يوجد الكثير من فرص العمل في بلادي.”
وتبدأ يومها عادة من السابعة صباحا نظرا لأن زبائنها الدائمين من التلاميذ الذين تقلهم إلى مدارسهم، وتلتقي بأصدقائها أثناء استراحة الغداء قبل بداية فترة المدرسة بعد الظهر.
وتضيف “أحب مهنتي لأنها تمنحني الفرصة للحديث مع الكثير من الناس كل يوم، كما لا يوجد مدير للعمل، فأنا مديرة نفسي.”
كما أنها تنقل أيضا الكثير من السيدات غير المتزوجات، “إنهم يفضلون السائقة السيدة خاصة خلال الرحلات الطويلة.”
وتلزمها شركتها بارتداء خمار كجزء من الزي الرسمي للعمل، لأنها يجب أن تغطي شعرها إذا كان هناك رجل في التاكسي.
وبعيدا عن العمل فإن السيدة فورتينا تقضي وقت الفراغ مع أصدقائها وتزور الكنيسة الكاثوليكية المحلية المجاورة للمسجد، وتقضي الوقت مع شقيقاتها وبنات عمومتها، الذين يعملون أيضا في أبوظبي ويعيشون معا في شقة صغيرة.
وتأخذها الحاجة للاسترخاء أحيانا إلى مطعمها الفلبيني المفضل في المدينة القديمة، وهذا هو الجانب الآخر لأبوظبي، بعيدا عن فنادق الخمس نجوم، وهو الجانب الذي لا يراه غالبية السائحين لكنه معروف لهؤلاء الذين يبحثون عن مطابخ عالمية بأسعار رخيصة.
وتقول عن المطعم “إنه يقدم أطعمة مطهية منزلية تذكرنا بالوطن.”
وبالنسبة لحمزة كاظم، شخصية بارزة في معهد المصدر، وهي منظمة في ابوظبي تطمح تعزيز صناعة الطاقة النظيفة ليس فقط في عاصمة الإمارات ولكن في العالم أجمع.
البيئة الخالية من السيارات في مدينة مصدر، تشغلها الطاقة الشمسية وتبردها الرياح، تعمل لتصبح المدينة الأقل انبعاثا للكربون بصورة دائمة في العالم.
ويقول كاظم، رئيس التمويل والعمليات في مصدر :”كنت موجودا هنا عندما كانت مجرد رمال، ورأيتها تنمو أمام عيني.”
ومدينة مصدر من تصميم مكتب الممارسات المعمارية المستدامة فوستر+بارتنرز ومقره لندن، ويجمع هندسة القرن الـ21 مع العمارة الصحراوية التقليدية لتقديم الراحة الخالية من الكربون.
ويضيف :”هذا التصميم المدمج لهذه الشوارع الضيقة، المأخوذة من المدن العربية القديمة يوفر الظل للمارة في الشوارع، لذلك فإن الجو هنا أبرد مما هو عليه في دبي وأبوظبي.”
ومن المتوقع الانتهاء من المدينة في 2025 وسيسكنها في نهاية المطاف 50 ألف نسمة، وتعتمد كلية على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى، وستوفر محطات التحلية المياه، وسيكون هناك 80 في المئة من المياه المعاد تدويرها، كما ستحول المخلفات العضوية إلى أسمدة.
ويقول كاظم :”لا يرى الناس غالبا مثل هذه الأفكار تخرج من العالم العربي، لذلك فإنه أمر رائع أن نكون نحن المنصة التي تطلق هذه الأفكار.”