يعود انتشار هذه الآبار، التي أنشئت منذ أكثر من 30 عاماً، بهدف تأمين السقيا والري للمحاصيل الزراعية، على امتداد الطريق بين مدينة أبوظبي والعين، إلى اختلاف الطبيعة الجغرافية للمنطقة عن غيرها من المناطق، ولكون المنطقة تتمتع بمساحات زراعية واسعة.
تركت هذه الآبار مهجورة تماماً حتى من الشاخصات التحذيرية أو أي من حملات التوعية على الأقل للسياح ومربي الماشية، وباتت فوهاتها مصدر قلق شديد لتكرار حوادث سقوط السياح والعاملين في المزارع، فضلاً عن فقدان أعداد من الماشية.
خلال جولة «البيان» في هذه المنطقة تركزت شكاوى سكانها في أن الآبار المكشوفة بات يصعب تمييزها وخصوصا خلال الليل بفعل انزياحات وتراكم الرمال حول فوهاتها، وبما أن جماليات الصحراء تجتذب السياح، ولا سيما الباحثين عن متعة قيادة الدراجات فيها، فإن هذه الفوهات المتربصة تفسد هذه الجماليات بخطورتها على حياة الإنسان والحيوان على حد سواء.
فور أن حملت «البيان» هذه الشكاوى الموثقة بالصور، تحركت هيئة البيئة في أبوظبي لمعالجة الخلل، عبر تشكيل لجنة مشتركة مع البلدية لحصر أعداد الآبار المكشوفة ومواقعها ومعرفية ملكياتها، تمهيداً لردمها، وتبديد قلق سكان الختم جذرياً.
أشراك موقوتة
وتركزت شكاوى أهالي عدد من المناطق الواقعة على امتداد الحزام الزراعي بين مدينة أبوظبي والعين وعلى رأسها منطقة الختم خلال جولة «البيان» في هذه المنطقة في أن هذه الآبار تركت مكشوفة في العراء من دون حواجز أو أغطية أو علامات تحذيرية، ما جعلها تشكل مصدر خطر بالغ على الأرواح والمواشي في المنطقة، حتى إن بعضهم وصفها بمثابة «أشراك موقوتة»، ولا سيما أنها تقع بمحاذاة بعض الطرق التي يعبرها سكان وزوار المنطقة، ويتراوح قطرها ما بين 3 إلى 5 أمتار، ومع مرور الزمن تسببت الرياح في تسوية فوهات معظمها مع سطح الأرض، الأمر الذي أدى إلى طمس معالم فوهاتها وصعوبة مشاهدتها ليلاً، مما أدى إلى تعريض حياة العديد من الأشخاص إلى الخطر.
وأعرب السكان عن تخوفهم من استغلالها من قبل بعض ضعفاء النفوس في إخفاء جرائم، لا سمح الله، مطالبين الجهات المختصة بضرورة تشكيل فرق لحصر هذه الآبار وتسويرها أو دفن المهجورة منها لحماية المارة من خطر السقوط، وتكثيف الحملات التفتيشية على المزارع، وفرض غرامات مالية وعقوبات أخرى، على ملاك الآبار المكشوفة.
خطر على السكان والسياح
يقول المواطن إبراهيم سالم: إن شبح الآبار المكشوفة بات في منطقة الختم، يهدد المواطنين والسياح لسنوات طوال، بعدما ذاق أكثر الأهالي مرارة إصابة ذويهم وفقدان ممتلكاتهم من جمال وأغنام في غياهب الآبار المهجورة.
وتساءل إبراهيم عن سبب استمرار وجود هذه الآبار حتى الآن، وعدم قيام الجهات المعنية بدورها التوعوي لسكان وزوار المناطق التي تنتشر فيها، مشيرا إلى أهمية اتخاذ إجراءات احترازية تتمثل في نشر وتوزيع العبارات التوعوية ومواقع تلك الآبار، بهدف توعية المواطنين والمقيمين بخطورتها وحثهم على تبليغ الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة تجاهها، حفاظاً على أرواحهم وأرواح ذويهم من الصغار وكبار السن.
أين العلامات التحذيرية؟
المواطن يوسف علي الأقبري يقول أيضا إن هذه الآبار المكشوفة تمثل مصائد مميتة تهدد سلامة الجميع خصوصا خلال فترة الإجازة، حيث يتوافد إلى المنطقة العديد من الزوار لممارسة قيادة الدراجات الرملية والتخييم، فلا يخلو موسم من حادثة سقوط بين هؤلاء الزوار، نتيجة أن معظمهم لا يعرفون طبيعة المنطقة وحقيقة تلك المواقع أثناء الليل، وبخاصة أن بعضا من تلك الآبار ذات فتحات كبيرة وتتساوى مع سطح الأرض وتخلو من الحواجز والأغطية والعلامات التحذيرية البارزة.
وعن آخر الحوادث التي شهدتها المنطقة، قال الأقبري: إن حارساً لإحدى المزارع تعرض إلى حادث سقوط، بينما كان يساعد أحد العاملين في المزرعة في مهام نقل وتخزين بعض المحاصيل، حيث أسفر الحادث عن كسر قدمه، فيما أكد الحارس على أنه لم يشاهد فوهة البئر المهجورة ولا حدودها، مما يؤكد أن تلك الآبار تشكل خطرا كبيرا على أمن وسلامة الأرواح.
حوادث وخسارات
قصص أولئك الذين أصيبوا في جوف الآبار المكشوفة في منطقة الختم عالقة في أذهان الكثيرين، إذ يقول جاسم الزعابي صاحب مزرعة: ما زلت أتذكر صورة أحد السياح، والمواطنون يخرجونه من البئر بعدما تهشمت قدماه وتعرض إلى عدة إصابات في جسده، وتساءل: هل لو كانت البئر مغطاة من جميع الجوانب لكان سقط الرجل فيها؟ مطالباً الجهات ذات العلاقة بأن تسعى جاهدة لتغطية هذه الآبار وردمها نهائياً.
ونوه إلى أنه في أحد الأيام، اكتشف خلال تفقده لعدد الخراف التي يمتلكها، تغيب ثلاثة خراف عن الحظيرة، ليبدأ بعدها البحث عنها هنا وهناك، وبعد رحلة شاقة من العناء تفاجأ بسقوطها جميعا في إحدى الآبار المكشوفة.
من جهته يضيف ناصر الطنيجي الذي يمتلك مزرعة في هذه المنطقة: لا ينتهي عام إلا ونسمع بضحية جديدة لهذه الآبار، ففي العام الماضي سقط بها عامل آسيوي يعمل في إحدى مزارع المنطقة، وذلك بينما كان يحاول في ساعات المساء، اختصار الطريق من منزله إلى منزل أحد أصدقائه، وتعرض لإصابة في جسده مع بعض الرضوض في منطقة الرأس، جعله يلزم الفراش لفترة طويلة من الوقت.
وطالب ناصر الجهات المختصة، بالحد من خطورة الآبار المكشوفة في المنطقة، التي تشكل تهديدا مباشرا لحياة الإنسان والحيوان، مشيرا إلى أنه يفقد سنويا ما بين 5 إلى 15 رأساً من الماشية، نتيجة سقوطها في هذه الآبار.
مبادرة مجتمعية ذاتية
وقال طارق سعيد صاحب مزرعة إن معظم الآبار الموجودة في أرجاء المنطقة، ناضبة من المياه، حيث تم حفرها منذ أكثر من 30 عاما، بهدف الزراعة وتخزين مياه الأمطار، كما أنها تفتقر إلى وسائل السلامة تماما، ما يشكل خطورة بالغة في حالة السقوط فيها.
وأوضح أنه ومن منطلق حرص سكان المنطقة على سلامة ذويهم، تم تشكيل فريق يضم عدداً من أفراد المنطقة، قام بتحديد مواقع هذه الآبار المكشوفة، ووضع أعمدة وإطارات تعريفية تدل على أماكنها، لافتا الى أن المشكلة حاليا تكمن في عدم معرفة الزوار والعاملين بالمنطقة بمعنى تلك الإشارات وما ترمز إليه.
وتابع طارق سعيد: هذه الآبار تتربص بأرواح أبنائنا ومواشينا، فلا يكاد يمر وقت إلا وتكون هناك حادثة سقوط، لافتا إلى أن هذه الآبار المكشوفة زرعت القلق لدى نفوس السكان والزوار من خارج المنطقة، بعد تكرار مشاهد السقوط فيها.
تجاوب
وتجاوباً مع الشكاوى التي تابعتها «البيان» بشأن الآبار المكشوفة والمهجورة في منطقة الختم، أفادت هيئة البيئة في أبوظبي اعتزامها العمل على حل المشكلة بالتعاون مع بلدية أبوظبي من خلال تشكيل لجنة مشتركة لحل مشكلة هذه الآبار المكشوفة، حيث توجد حاليا لجنة مشتركة بين بلدية العين وعدد من الجهات الحكومية منها هيئة البيئة لحل مشاكل الآبار المهجورة.
وقال خالد الهاجري مدير الامتثال والتطبيق البيئي في هيئة البيئة في أبوظبي لـ«البيان»، إن الهيئة ستتواصل مع بلدية أبوظبي وإبلاغها بالمشكلة وتوفير أي بيانات يمكن أن تسهم في تحديد ماهية هذه الآبار وملكيتها والمشاريع التي بنيت من أجلها، الأمر الذي يسهم في حصر هذه الآبار على أرض الواقع للبدء بإجراءات الردم وفقا للمعايير والشروط التي وضعتها هيئة البيئة لردم هذا النوع من الآبار غير المستخدمة.
وأضاف أن هنالك لجنة مشكلة مع بلدية العين بخصوص حصر الآبار غير المرخصة أو المهجورة في جميع مناطق العين، ونأمل في أن يتم تشكيل لجنة مشابهة مع بلدية أبوظبي، مؤكدا خطورة هذه الآبار التي جفت ولم تعد تستخدم على سلامة الإنسان والحيوان، وبالتالي سيتم العمل على حصر هذه الآبار ومعالجة المشكلة بالتعاون مع البلدية.
ورداً على سؤال عن الجهة التي تتلقى الشكاوى أو البلاغات في حال وجود هذا النوع من الآبار المكشوفة والمهجورة، أوضح الهاجري أن هيئة البيئة تتلقى تلك البلاغات وتحولها إلى الجهة المختصة لدراستها وحل المشكلة.
وقال إن الهيئة تتولى الإشراف على الآبار العاملة وترخيصها، وعلى سبيل المثال إذا رخصت الهيئة حفر بئر لمشروع معين لجهة ما فإنه في حال انتهى المشروع تلزم الهيئة تلك الجهة بردم البئر بعد انتهاء المشروع.
وأشار الهاجري في هذا الإطار إلى وجود مخالفات بخصوص حفر الآبار من دون استصدار الترخيص اللازم من قبل الهيئة ومن ثم هجر البئر في حال الانتهاء من استخدامها، وتركها مصدر خطر على الآخرين، مشددا على وجوب التقيد بالإجراءات المتبعة في ما يخص حفر الآبار.
شكر
وجه خالد الهاجري مدير الامتثال والتطبيق البيئي في هيئة البيئة في أبوظبي الشكر لـ«البيان» على متابعتها هذه الشكاوى من قبل سكان منطقة الختم، وتفاعلها مع الموضوع والاتصال بالهيئة والبلدية لمتابعته، مؤكداً على أن هذا هو دور الإعلام في تسليط الضوء على مختلف القضايا والمشاكل التي تعترض المجتمع وعرضها على الجهات المختصة للعمل على معالجتها، وهو دور تكاملي بين الإعلام ومختلف مؤسسات الدولة.