أهيم بها حباً ووجداً، وتبادلني حباً بحبٍ وعطاءً بعطاءٍ، فأنا أرى في كل نخلة أبي، أتذكر يده ترعى، وتمسح جذعها الخشن بكل حنان، وترابها الحاضن لها في محيط الماء ، أنظر لها فتنظر لي، وكأنها تعرفني ،وتتمنى لي حياة سعيدة، وأتمنى لها في المقابل، أن تكبر وتطرح ثمراً نضراً، حلو المذاق، وهي تظلل ساحة بيتنا الرمليّ، وتطرح لنا ألذّ ثمارها حلاوةً، فنعصر ونُحلّي ونعجن ونطبخ من تمرها، ألوان الطعام الذي لا ينسى ولا نشبع منه.
نخلة الإمارات حلم ذكي، صار حقيقة، لا ينساها الكبير ولا الصغير؛ فمن يأتي زائراً لا بد أن يكتشف أهم معالمها، إنها نخلة بحر الإمارات، والتي حُرثت في البحر، وزُرعت سعفاً وجذوعاً وشماريخ؛ بل ووُثِّقت بأسماء تراثيةٍ على أنواع النخل، وأسماء الرطب في مراحل نموه، وهي موسوعة ثقافية مجسمة، تشرح بكل سهولة تراث النخلة؛ فمن يزورها حتماً عليه أن يحفظ الطريق، بأسماء أجود أنواع النخل المعروفة في الإمارات .هكذا ينْتشي أبناء الإمارات والمسؤولون، برمزهم التراثي الحديث، الذي لا يَقْدمُ ولا يَبْلى، يتعلّمونه ويعلّمونه لصغارهم، ويذكّرون به الكبار، ويعكسونه ثقافة لسياح الإمارات وزوّارها، وكل أبناء الخليج لديهم هذا الهُيام بالنخلة؛ في الماضي لم لا! وهي كانت طعام الفقير، وحلوى الغني، وزاد المسافر، والمغترب، واليوم صارت ذات أهمية جغرافية وحداثة في عمران الإمارات، فالحاضرُ حَضَنَ الماضي بقوة ورفعة، على موج الخليج العربي، وسَجّلَ جمال الماضي عالمياً، وصار مصدر فخرٍ وقوةٍ واعتزاز. وفي كل سنة تقوم مهرجانات الرطب، ويتباهى مزارعوها بإنتاجهم، ويشجع الشيوخ على هذه المهرجانات ويرعونها، ويخصصون جوائز مغرية للمتسابقين والمشاركين، في مزايَن الرطب في غربية أبوظبي العاصمة، على يد محكّمين من أبناء الإمارات، عشقوا الصنعة وصارت من أولى اهتماماتهم. قيل قديماً زرعوها فأكلنا، ونزرع فيأكلون؛ واليوم حرثوا البحر نخلاً، وصارت الإمارات مَعْلماً، وموسوعةً علميةً مجسمةً على صفحة البحر الزرقاء، يراها كل مسافر وسائح ؛ فحرثوا البحر نخلاً، وانتشينا بها فخراً، وزايَن َ بها أهلها تباهياً واعتزازاً، بأفضل وأجود أنواع الرطب والتمور، إنها نخلة الإمارات.
صحيفة الرؤية الإماراتية بقلم سمية السويدي