الخليج
لا يمكننا إغفال تأثير قوة العقل في الجسم . وبينما تستمر الدراسات في البحث عن قدرة أفكارنا وعواطفنا على إحداث تغييرات ملموسة في أجسامنا، أظهرت إحداها أن مفاهيم مثل: التأمل، والمسامحة، والامتنان، لها علاقة وثيقة بالصحة البدنية . وهذا في ضوء نتائج الدراسات السابقة، والدالة على أن الأشخاص السعداء يعيشون حياة أطول . وهذا ما تم التأكيد عليه مؤخراً في البحث المنشور في مجلة "لانسيت" "The Lancet" أيضاً .
وقد درس باحثون من كلية لندن الجامعية، وجامعة برنستون، وجامعة ستوني بروك، حقيقة ذلك من عدمها، واستعرضوا البيانات على 3 أنواع من الحالات النفسية:
1-حالة تقييمية: تقييم مدى رضا الناس بحياتهم .
2-حالة تلذذية: المشاعر أو المزاجية مثل السعادة والحزن والغضب
3-حالة روحية: أحكام حول معنى وهدف الحياة .
وركزت الدراسة بشكل خاص على الحالة الروحية، فأظهرت أن الأشخاص الذين يشعرون بمعاني السيطرة، ويعتقدون أن حياتهم مجدية، أقل عرضة للوفاة بنسبة 30% خلال فترة الدراسة، وهي 8 سنوات . وفي المتوسط، عاش هؤلاء الأشخاص أكثر من غيرهم لسنتين إضافيتين .
كما يشير الباحثون إلى أن امتلاك الشعور بالهدف، قد يزيد من الصحة العقلية والبدنية بطرق عدة، فالحالة الإيجابية ترتبط بإنتاج أقل لهرمون الكورتيزول، الذي يلعب دوراً في التمثيل الغذائي للدهون، وتنظيم المناعة، ووظيفة الدماغ، وتكلس العظام . كذلك تم ربط المشاعر الإيجابية بانخفاض الاستجابة للالتهابات والقلب والأوعية الدموية للإجهاد .
الرضا عن الحياة والعمر:
إننا نميل خلال مراحل حياتنا إلى التقلب تجاه الشعور بالرضا . وعلى الرغم من أن هناك اتجاهات مشتركة في الرضا عن الحياة عبر مراحل معينة، إلا أن هذه الاتجاهات مختلفة في بيئة إلى أخرى . فمثلاً، في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية ذات الدخل المرتفع، ينخفض الرضا في منتصف العمر ثم يرتفع مرة أخرى في سن الشيخوخة .
ويشير الباحثون إلى أن هذا الانخفاض في الرضا عن الحياة، يحدث لأن الناس في منتصف العمر يكونون في ذروة حياتهم المهنية . وفي أوج القدرة على الكسب، يبدو الأشخاص الذين في منتصف أعمارهم أكثر عرضة لتكريس ساعات أطول للعمل، في محاولة منهم للتوفير من أجل مرحلة التقاعد . بينما يقلل التفاني الزائد في حياتهم المهنية من رضاهم بحياتهم .
أما في مناطق أخرى، كالاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية وصحراء إفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فإن الرضا عن الحياة يتناقص باطراد مع التقدم في السن، حيث إن الناس في هذه المناطق يميلون إلى إظهار زيادة في القلق عندما يكبرون في السن، وتنخفض سعادتهم، لكن الغضب والتوتر ينخفضان أيضاً مع مرور الوقت .
ويرتبط عدم الرضا عن الحياة بشكل كبير مع حقيقة أن كبار السن في هذه المناطق محرومون نسبياً، مقارنة بنظرائهم الأصغر سناً.
وعلى الرغم من هذه الأدلة، إلا أن هذه الدراسة لا تثبت علاقة السببية، بل تثبت الرابط فقط، فالناس الذين يتمتعون بصحة جيدة جسدياً هم أكثر عرضة للبقاء فاعلون ونشطون ويتمتعون بشعور أكبر بالرفاهية، ويرتبط الشعور العالي بالرفاهية بانخفاض مخاطر التعرض لمشاكل وأمراض صحية .
وفي الأحوال جميعها، يقدم لنا هذا البحث رسائل تذكيرية عديدة، أولها: أن العمل لساعات طويلة يؤثر في صحتنا ولا يستحق كل هذا العناء . وأن هذا الأمر يقلل من قدرتنا على البقاء فاعلين في الحياة، وهو يؤدي بدوره إلى شعور أقل بالرضا والسعادة .
وأخيراً، من المهم أن نخطو خطوة إلى الوراء، وننظر إلى الصورة الشاملة في بعض الأحيان . فغالباً ما تدفعنا المشاكل اليومية إلى التركيز على الإنتاجية، بدلاً من الشعور العالي بالهدف .