في حين قد يكون التراجع مبالغاً فيه بسبب ارتفاع الدوﻻر الذي خفض قيمة العمﻼت اﻻحتياطية اﻷخرى مثل اليورو، إﻻ أنه ينطوي مع ذلك على حدوث تحول بعد إضافة البنوك المركزية، والتي يقع معظمها في بلدان نامية مثل الصين، 824 مليار دوﻻر في المتوسط لﻼحتياطيات في كل عام على مدى العقد الماضي .
وأبعد من مجرد كونها رمزاً لعودة الدوﻻر إلى دوره كعملة مهيمنة بﻼ منازع في العالم، فإن ﻻنخفاض اﻻحتياطيات العديد من اﻵثار والتداعيات المحتملة في اﻷسواق العالمية، حيث يمكن أن تجعل من الصعب على بلدان اﻷسواق الناشئة تعزيز المعروض النقدي فيها ودعم النمو المتعثر في اقتصاداتها، كما يمكنها أن تضيف إلى انخفاض قيمة اليورو، ويمكنها أن تدفع الطلب على سندات الخزانة اﻷمريكية أكثر .
وقال ستيفن جين، وهو خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي كما أنه مؤسس مشارك ل"إس إل جيه ماكرو بارتنرز" في لندن، في مقابلة عبر الهاتف: "إنها تمثل تحدياً كبيراً لﻸسواق الناشئة التي هي اﻵن في حاجة لمزيد من المحفزات، وكل ذلك يزرع بذور التقلبات التي ستحدث في المستقبل" .
تباطؤ النمو
بدأت البنوك المركزية في الدول الناشئة بناء احتياطياتها في أعقاب اﻷزمة المالية اﻵسيوية في أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين لحماية أسواقها لمدة زمنية أطول عندما جفت مصادر الوصول إلى رؤوس اﻷموال اﻷجنبية، واشترت تلك البنوك أيضاً الدوﻻر للحد من تقدير قيمة العمﻼت اﻷجنبية في أسعار الصرف المحلية في بلدانها، وقامت بمضاعفة اﻻحتياطيات أربعة أضعاف منذ العام ،2003 كما زادت حيازاتها من سندات الخزانة اﻷمريكية إلى 1 .4 تريليون دوﻻر من 934 مليار دوﻻر وفقاً لما تظهره البيانات التي جمعتها بلومبيرغ . ويضعف تراكم اﻻحتياطيات المعروض من النقود في النظام المالي، حيث إن كل عملية شراء للدوﻻر تخلق مبلغاً مماثﻼً من العملة المحلية الجديدة، مما يساعد على تحفيز اﻻقتصاد .
وأظهرت بيانات جمعتها بلومبيرغ نمو القاعدة النقدية في الصين وروسيا، كما تم قياسها من "إم زيرو"، بمتوسط 17 في المئة سنوياً في العشر سنوات حتى العام ،2013 وتراجع معدل التوسع إلى 6 في المئة في العام الماضي .
وفي حين تملك البنوك المركزية وسائل أخرى لضخ السيولة في الجهاز المصرفي، يمكن لهذه التحركات من دون الدعم المتمثل في زيادة احتياطيات النقد اﻷجنبي أن تقود في نهاية المطاف إلى المزيد من إضعاف عمﻼتها، وهي النتيجة التي قد ترغب البنوك المركزية في تجنبها .
وكتب ألبرت إدواردز، وهو استراتيجي عالمي في "سوسيتيه جنرال إس أيه"، في مذكرة يوم 6 مارس/ آذار يقول: "إن اﻷرجحة في احتياطيات النقد اﻷجنبي هي إحدى المعايير الرئيسية التي تشير إلى أن صنبور السيولة العالمية قد تم فتحه وإغﻼقه، وعندما يأتي نظام من اﻷموال السهلة إلى نهايته فجأة فإن أسعار اﻷصول في اﻷسواق الناشئة عادة ما تكون من أولى الضحايا لذلك" . (بلومبيرغ)
الحاجة لمزيد من المحفزات لوقف التقلبات في المستقبل
من المرجح أن يستمر تراجع اليورو طالما بقيت أسعار النفط منخفضة وظل النمو في اﻷسواق الناشئة على حاله من الضعف، مما يحد من تدفقات الدوﻻر التي تستخدمها البنوك المركزية لبناء اﻻحتياطيات وفقاً ل"دويتشة بنك أيه جي" .
ويعتبر مثل هذا التطور الذي يحدث مضراً بعملة اليورو التي استفادت من عمليات الشراء في السنوات اﻷخيرة من قبل البنوك المركزية الساعية لتنويع سلة احتياطياتها، وفقاً لجورج سارافيلوس، الرئيس المشارك لﻸبحاث المصرفية في "دويتشة بنك" .
وتراجعت حصة اليورو من اﻻحتياطيات العالمية إلى 22 في المئة في عام 2024 الماضي، أدنى مستوى لها منذ العام ،2002 في حين ارتفع الدوﻻر إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات عند 63 في المئة حسبما ذكر صندوق النقد الدولي في 31 من مارس/ آذار .
وكتب سارافيلوس في مذكرة بحثية: "تبرز الصين والشرق اﻷوسط كمنطقتين من المرجح أن تواجهان ضغوطاً مستمرة للسحب من احتياطياتها على مدى السنوات القليلة المقبلة، وتحتاج البنوك المركزية هناك لبيع اليورو" .
وانخفض اليورو مقابل 29 من 31 من العمﻼت الرئيسية في العالم في هذا العام مع تسريع البنك المركزي اﻷوروبي خطته للتحفيز النقدي الرامية لتفادي اﻻنكماش، وتراجعت العملة الموحدة إلى أدنى مستوى لها في 12 عاماً إلى 0458 .1 دوﻻراً لليورو في 16 مارس/ آذار قبل انتعاشها إلى 0922 .1 دوﻻراً لليورو في نيويورك يوم اﻻثنين .
الصين تخفض احتياطاتها
مع تنحية اﻷثر الناجم عن تقلبات النقد اﻷجنبي جانباً، تقدر مجموعة "كريدي سويس أيه جي" أن البلدان النامية التي تحتفظ بقرابة ثلثي اﻻحتياطيات العالمية، أنفقت مبلغ 54 مليار دوﻻر من هذه اﻻحتياطيات في الربع الرابع، وهو أكبر رقم منذ اﻷزمة المالية العالمية في العام 2024 .
وساهمت الصين التي هي أكبر محتفظ باﻻحتياطيات من العمﻼت اﻷجنبية في العالم، إلى جانب منتجي السلع اﻷولية، في معظم اﻻنخفاض الحادث مع قيام البنوك المركزية فيها ببيع الدوﻻر لتعويض نقص تدفقات رؤوس اﻷموال ودعم عمﻼتها، وفقد مقياس بلومبيرغ لعمﻼت اﻷسواق الناشئة 15 في المئة من قيمته مقابل الدوﻻر خﻼل العام الماضي .
وتشير بيانات البنك المركزي الصيني إلى أن البﻼد خفضت احتياطياتها إلى 8 .3 تريليون دوﻻر في ديسمبر/ كانون اﻷول عن الذروة البالغة 4 تريليونات دوﻻر في يونيو/ حزيران، وتراجعت احتياطيات روسيا بنسبة 25 في المئة خﻼل العام الماضي إلى 361 مليار دوﻻر في شهر مارس/ آذار، بينما سحبت السعودية، صاحبة أكبر احتياطي بعد الصين واليابان، 10 مليارات دوﻻر من احتياطياتها منذ أغسطس/ آب، التي انخفضت إلى 721 مليار دوﻻر .