تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » منجم المشتريات الذهبي

منجم المشتريات الذهبي 2024.

منجم المشتريات الذهبي
تاريخ النشر: 21/10/2014

الذهب معدن نادر . فأكثر من 99% من قشرة الأرض تتكون من أكاسيد السيليكون والألمونيوم والكالسيوم والمغنسيوم والصوديوم والحديد والبوتاسيوم والتيتانيوم والفوسفور . وعلى هذا، كان الناس في القسم الأعظم من تاريخ البشرية يشعرون بالإثارة الشديدة عندما يكتشفون الذهب . وبرغم العواقب البيئية الخطرة المترتبة على التنقيب عن الذهب، بما في ذلك تلوث الزئبق والسيانيد وتدمير البيئات الطبيعية، فإن البشر لم يكفوا عن البحث ويبدو أنهم من غير المرجح أن يفعلوا ذلك في أي وقت قريب .
ولكن هناك منجم ذهب رمزي أكثر أماناً وربما لا يقل ربحية عن الذهب الحقيقي تمتلكه أغلب البلدان، ولكن قِلة منها تختار استغلاله بشكل كامل: وهو كنز المشتريات الحكومية .
إن العواقب السلبية المحتملة للمشتريات الحكومية معروفة . فهي قد تعمل على تمكين الشركات من تقاضي أسعار مبالغ فيها للسلع ذات الجودة المنخفضة والخدمات التي لا يمكن التعويل عليها، في حين تسهل الفساد وإساءة استعمال السلطة وإهدار الموارد . ولتخفيف هذه المخاطر، لجأت أغلب البلدان إلى تنفيذ متطلبات لعمليات طرح العطاءات المفتوحة وقواعد الشفافية الصارمة للمشتريات الحكومية . والواقع أن اتفاقيات التجارة الحرة الأخيرة تلزم الموقعين عليها بفتح المشتريات الحكومية لشركات كل البلدان الموقعة، كما قام البنك الدولي بنشر أسماء الشركات المحظورة بسبب الاحتيال أو الفساد من ممارسة عمليات طرح العطاءات على المشاريع التي يمولها البنك . والبلدان التي تتخلى عن عمليات طرح العطاءات المفتوحة تنتهي بها الحال إلى ذلك النوع من السرقات الواسعة النطاق التي تم توثيقها في فنزويلا والتي حدثت بكل تأكيد في عهد الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش .
ولكن تحت كل هذا الزرنيخ يقبع الذهب . إن أغلب الإنتاج الحديث لا يشمل تكلفة صنع الأشياء فحسب، بل وأيضاً تكلفة التوصل إلى كيفية صنعها . فقبل أن تتمكن شركات تصنيع الطائرات من إنتاج وبيع طراز جديد من الطائرات، يتعين عليها أن تنفق المليارات من الدولارات على مدى عشر سنوات أو أكثر لتطويره وهي التكاليف التي لابد من استردادها في وقت لاحق . وإذا لم تكن الشركات على يقين من وجود سوق لهذا الطراز الجديد، فإن قِلة منها قد تتحمل هذه التكاليف . وهنا يأتي دور المشتريات الحكومية .
على سبيل المثال، في عام ،1946 أصدرت حكومة الولايات المتحدة عقداً لشركة بوينغ لتطوير الطائرة بي-52 . ومن الواضح أن الحكومة لم تكن تريد من الشركة تسليمها المزيد من نفس الشيء؛ بل كانت راغبة في الحصول على أول قاذفة قنابل استراتيجية نفاثة سريعة . ذلك أن ثاني أفضل جيش في أي حرب هو الجيش الخاسر . وبالتالي، كان من الضروري أن يعكس العقد المخاطر الكامنة في محاولة التوصل إلى كيفية تصميم وإنتاج الطائرة الأكثر تقدماً في وقتها .
ولكن الفوائد المترتبة على المشتريات الحكومية امتدت إلى ما هو أبعد من هدفها المحدد، عندما استخدمت بوينغ المعرفة التي اكتسبتها في تطوير الطائرة بي-52 لإنتاج طائرتها التجارية بي-707 . ورغم أن الحكومة لم تتعمد قط تشجيع تطوير الطائرات التجارية، فإن شراءها لطائرة عسكرية عالية الجودة ومتقدمة تكنولوجيا كان ضرورياً لظهور صناعة الطائرات التجارية الأمريكية المهيمنة عالمياً . الأمر ببساطة أن التوصل إلى كيفية صنع شيء يؤدي غالباً إلى تسهيل صنع أشياء أخرى .
وبهذه الطريقة، فإن الحكومة الصارمة بشأن جودة مشترياتها من الممكن أن تخلف تأثيراً قوياً في تطور الميزة النسبية التي يتمتع بها بلدها .
الواقع أن الدروس المستفادة من أي مشتريات عسكرية يمكن تطبيقها في أماكن أخرى . فالحكومات تنفق على شراء الحلول للتحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه مجتمعاتها . ولأن المشاكل التي تواجهها أي دولة نادراً ما تكون فريدة، فإن الحلول المبدعة من الممكن أن تعمل على توليد صناعات منافِسة بل وحتى مهيمنة عالميا . والحلول لأي مشكلة بعينها من الممكن أن تكون لها تطبيقات في مجالات أخرى .
وينبغي لهذا أن يخدم كنموذج لأمريكا اللاتينية فيما تعمل على تحسين جودة أنظمتها التعليمية . ففي الوقت الحالي، تأتي دول أمريكا اللاتينية الثماني التي تشارك في اختبارpisa القياسي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين أسوأ 15 دولة أداءً من أصل 65 دولة تشارك في هذا البرنامج .

* مدير مركز التنمية الدولية، وأستاذ ممارسات التنمية الاقتصادية في كلية جون ف . كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، والمقال نشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت"

ريكاردو هوسمان*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.