أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»، (أخرجه البخاري).
لقد حرص ديننا الإسلامي الحنيف على تكوين مجتمع مترابط متحابب، يعيش في جوٍّ من الألفة والمحبة، حيث عمل على توفير أسباب السعادة وتجنب أسباب الشقاء، وقد جمع كتاب الله الكريم الإحسان إلى الجار مع عبادة الله وبرّ الوالدين والأقربين في دلالة واضحة على أهميته، كما في قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)، «النساء 36».
أنواع الجيران
وأوصى الإسلام بالجار خيراً، حيث جاء ذلك في كثيرٍ من الآيات والأحاديث، وأوجب له حقوقاً، وتتنوع تبعاً للعلاقة التي تجمع الإنسان بجاره، ومن المعلوم أن الجيران ثلاثة: جارٌ له حق واحد، وجارٌ له حقان، وجارٌ له ثلاثة حقوق. أما الذي له حق واحد: فالكافر، ليس له إلا حق الجوار، وأما الجار الذي له حقان: فالمسلم غير القريب، له حق الإسلام، والجوار.
وأما الذي له ثلاثة حقوق: فالمسلم القريب، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة. ومن الجدير بالذكر أن المسلمين قد ساروا على هدي القرآن الكريم وسنة الحبيب- صلى الله عليه وسلم-، فأحسنوا إلى جيرانهم وعاملوهم معاملة حسنة، وقد كان لهذه المعاملة الكريمة أثر كبير في الآخرين، فكانت سببًا في إقلاعهم عن المعاصي والذنوب.
أبو حنيفة والإسكافي
ذكرت كتب السيرة والتاريخ أنه كان للإمام أبي* حنيفة جار إسكاف بالكوفة، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جاء الليل رجع إلى منزله، وقد حمل* لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه، غَنَّى بصوت وهو* يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليــوم كريهــــة وســــــداد* ثغــر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع* جلبته، ومن المعلوم أنا أبا حنيفة كان يصلي الليل كله، وذات يوم فقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه، فقيل: أخذه* العسس (رجال الشرطة) منذ ليال وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر وركب بغلته، واستأذن على* الأمير فأذن له، وقال أقبلوا به راكباً ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل،* ولم يزل الأمير يُوسّع له من مجلسه، وقال ما حاجتك يا إمام؟ قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ* ليال، آمل أن يأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم، وكل من أُخذ بتلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر* بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة بغلته، والإسكافي يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه* ،فقال: يا فتى أضعناك، قال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية* الحق، وتاب الرجل ولم يَعُدْ إلى ما كان* عليه من أعمال سيئة».
حقوق الجار
إنَّ مِنْ أهم ما عُني به الإسلام حق الجوار ورعاية حرمات الجار، حرصاً على سلامة النسيج الاجتماعي وحمايةً له من الضعف والوهن، ليكون المجتمع المسلم كما أراده – صلى الله عليه وسلم – كالجسد الواحد، فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عوناً، وفي الرخاء أخاً، يحزن لحزنه ويفرح لفرحه، ينفس كرباته ويقضي حاجاته، ويهنئه إذا أصابه خير، ويدفع عنه الأذى والمكروه.
الجار حقوقه عظيمة