المخالفات الغيابية سيف مُصلت على رقاب المتجاوزين
الخليج
نعترف بدءاً ان الخطأ لا جدال فيه، والصواب لا مجال لمناقشته أو المزايدة عليه، وبالتالي فتحقيقنا يأتي من باب التوضيح، والتصدي لبعض اللغط، والاعتراض، ولغو الحديث، وإضاءة الصورة المتداخلة في بعض جوانبها، حول قضية المخالفات المرورية الغيابية، التي تكون بمثابة صدمة يتلقاها مرتكبها حين توجهه لتجديد مركبته، أو حين تلقيه إشعاراً بها بعد أيام عدة من ارتكابها، وربما يكون غير منتبه لارتكابه أي منها من الأساس، أو ربما يكون قد نسيها بفعل مرور فترة عليها، وبالتالي وحين تظلمه منها أمام إدارة المرور المعنية، لا يكون هناك من بديل أمامه سوى تسديدها مع تضرره التام منها، فيما وفي بعض الحالات يصل به أمر الاعتراض عليها إلى حد تقديم دعوى قضائية يطالب فيها بإلغائها، وحينذاك ووفقاً للواقع لا تأخذ المحاكم بالاعتراضات من هذا النوع في ضوء إقرارها بالقسم الذي يقطعه على نفسه محرر المخالفة من كونها وقعت بالفعل من مرتكبها . في التحقيق الآتي نناقش هذه القضية:
اعتراضات عدة سجلها عدد من قائدي المركبات، الذين فاجأتهم حين توجههم إلى إدارات المرور لتجديد ترخيص مركباتهم، مطالبات بمبالغ مرتفعة نسبياً لقاء مخالفات غيابية حررت ضدهم، واعترض بعضهم عليها، ولجأوا إلى تقديم دعاوى قضائية، وحول ذلك ومن واقع حديثهم، قال احمد سامي (موظف): توجهت إلى إدارة المرور في الإمارة التي اقطنها لتجديد ترخيص سيارتي، فطالبني الشرطي المكلف بتسديد مخالفات غيابية بقيمة 3 الآف درهم مسجلة ضدي، وعند تحري وقت ارتكابي لها، لم أتذكرها، ولم أجد مفراً سوى الدفع، رغم عدم إقراري بها، في ضوء ارتفاع قيمة المبلغ المسجل ضدي، فلماذا لم يتم إبلاغي بها هاتفياً فور ارتكابي لها، أو من خلال الرسائل النصية؟
والاعتراض ذاته أبداه المواطن احمد سلطان وقال: يومياً أذهب إلى مقر عملي في إحدى الإمارات المجاورة، وفي أحيان كثيرة اضطر للقيادة بسرعة نسبية للحاق بوقت الدوام المحدد، ودائماً أتوقع انه ستتم مخالفتي، وسيتم إبلاغي بذلك، إلا أنه لم يتم إبلاغي إلا في مرات معدودة، فيما أسدد سنوياً مبالغ مخالفات مرتفعة إلى حد كبير وتتجاوز عدد المخالفات التي تم إبلاغي بارتكابها، فلماذا لا يتم مخالفة غير الملتزمين بقواعد السير حضورياً، بحيث كل على علم بما ارتكبه، دونما لبس، أو شعور بعدم الرضا، أو إحساس بانعدام المصداقية إلى حد ما؟
أما المواطن عبيد محمد فقال: المخالفات الغيابية فتحت الباب على مصراعيه لاعتراض عدد ليس بالقليل من قائدي المركبات، الذين رأى بعضهم فيها تعسفاً، وانعدام دقة، بما يتوجب المخالفة حضورياً على أي من وقائع مخالفات قواعد السير والمرور، فضلاً عن وجوب إعلان أي من قائدي المركبات بمخالفاتهم بشكل فوري وسريع عبر الوسائل المتبعة في ذلك، لإغلاق باب الاعتراض عليهم .
أنواع وأسباب
وبالرجوع إلى العقيد علي المطر وشي مدير إدارة مراكز الشرطة الشاملة في القيادة العامة لشرطة عجمان قال: هناك أنواع مختلفة للمخالفات الغيابية، فمخالفات الرادار غيابية، وكذا مخالفات عدم ربط حزام الأمان التي كانت حضورية في بعض الإمارات، ومن ثم أصبحت غيابية، نظراً للخطورة البالغة التي تنجم عنها، من تزايد عدد الإصابات، وحالات الوفيات، نظراً لاستهتار البعض باستخدام الحزام، وعدم الاعتداد برجال المرور نظراً لمعرفة المخالف بصعوبة توقيفه لتوجيه مخالفة له، في ضوء الازدحام المروري، بما أدى إلى تحويل المخالفة المقرة على ذلك إلى غيابية لرصد غير الملتزمين باستخدام الحزام .
فيما هناك أسباب عدة وراء جعل بعض المخالفات غيابية، ومن ذلك صعوبة إيقاف السيارات المخالفة تجنباً لإرباك حركة المرور، إضافة عدم تواجد سائقي بعض السيارات المتوقفة بصورة تعرقل حركة السير أمام المطاعم أو المحال التجارية، مما يستحال معه أن ينتظرهم رجال الدورية المرورية، بما يؤدي بهم بالتالي إلى تحرير مخالفات غيابية لهؤلاء، وهناك أيضاً مخالفات الرادارات التي وفي بداية تشغيلها، تم إجراء استبيان حول ما إذا كان من الأفضل أن تكون غيابياً ام حضورياً، واجمع عدد كبير على وجوب ان تكون حضورياً، ليشعر المخالف بمخالفته على الفور، إلا أنه ومع زيادة عدد الرادارات، وعدد السيارات، وكثافة الحركة المرورية، أصبح من الصعوبة بمكان أن تحرر هذه المخالفات حضورياً، رغم جدوى ذلك من ناحية تحقيق الردع الواجب .
وهناك مخالفات تتم بشكل حضوري وغيابي، ومن ذلك التجاوز بصورة خطرة، وقيادة المركبة بصورة تشكل خطورة على أفراد الجمهور، والتسابق على الطريق، فضلاً عن مخالفة عدم ترك مسافة كافية بين السيارات، والانحراف المفاجئ، والسماح للأطفال دون العاشرة بالجلوس في المقاعد الأمامية، التي يستحال تسجيلها غيابياً لحاجتها إلى النصح والإرشاد، عدا ذلك وبشكل عام فالقرار الوزاري رقم 126 لسنة ،2008 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995 في شأن السير والمرور، أضاف المخالفات الغيابية على بعض المخالفات التي أثبتت التجارب ضرورة استثنائها في بعض الحالات لصعوبة تسجيلها حضورياً، ومنها – كما ذكرنا قبلا- مخالفات الرادار، وتجاوز الإشارة الحمراء، والمخالفات المتعلقة بالطيش والتهور .
وأطالب الاستمرار في هذا النظام، لأن هذه المخالفات تمت دراستها عقب الظروف والمتغيرات على شبكة الطرق، وزيادة الكثافة المرورية، التي أدت نتائجها لصعوبة استيقاف المركبات المخالفة، حفاظاً على انسيابية حركة السير .
قانونية المخالفة
وعن قانونية التحرير الغيابي لمخالفات مرورية، والضوابط الواجبة في هذا الصدد، قال المحامي عبد المنعم سويدان: تنص القاعدة العامة على أن يكون السائق ملتزماً بقواعد المرور، بغض النظر عن وجود رقابة بالرادارات، أو كاميرات تصوير، أو مخالفات من رجال الشرطة أو المرور، أو غير ذلك، حيث هناك ضوابط مرورية يجب اتباعها، وتجنب مخالفتها، فمثلاً بعض المخالفات لا يجوز تحريرها غيابياً ومن ذلك التجاوز من على كتف الطريق، حيث في هذه الحالة يجب تحرير المخالفة حضورياً .
والمشكلة بين المخالفين وإدارات المرور ان المخالفة التي تقع يكتشفها المخالف بعد فترة طويلة، بعدما يكون قد نسيها، فيما لو كان قد تمت مواجهته بها مباشرة، أو إبلاغه فورياً لاستطاع الدفاع عن نفسه، وقدم تبريره حولها، لذا فمن الواجب أن يتم تبليغ المخالفين على الفور بمخالفاتهم، عدا ذلك فمن حق المخالف التظلم من المخالفة الغيابيه التي تم تسجيلها ضده، وذلك في إدارة المرور المعنية، أو أمام المحاكم المرورية، فيما وللأسف إذا قدم المخالف أي دفاع فلا يؤخذ به لان العبرة أمام المحاكم تتركز في شهادة من حرر المخالفة من رجال الشرطة أو المرور، والذي يؤدي القسم أمامها، حيث تأخذ المحكمة بشهادته كدليل ضد المخالف .
وبشكل عام فمعظم المخالفات المرورية تؤيد امام المحاكم، ومن النادر قبول التظلمات المقدمة من المخالفين في شأنها، حيث نسبة لا تقل عن 99% من تظلمات المخالفات المرورية لا تقر بها المحاكم، وتأخذ بشهادة محرريها، فيما من المفترض أن يكون رجل الأمن المخول بتحرير المخالفات من أصحاب المصداقية، والأمانة، والثقة، لأن المخالفات التي تلتقط بوسائل فنية كالرادارات لا يختلف عليها أحد، كتجاوز الإشارة الحمراء، والسرعة الزائدة، وغيرهما، خلاف المخالفات التي تعتمد على التقدير الشخصي لمحررها، والتي تفتقر إلى الدليل القطعي على حدوثها، وتحتاج إلى معايير دقيقة، لذا فمن المفترض فور وقوع المخالفة، إبلاغ مرتكبها بها عبر الرسائل النصية القصيرة، أو البريد الإلكتروني، في ضوء بعض المخالفات التي حررت ضد سائقين، واتضح لاحقاً عدم صحتها ودقتها .
ضوابط واجبة
قال المحامي سعيد الطاهر: كفل قانون السير والمرور لشرطي المرور إصدار مخالفات مرورية بحق سائقي المركبات المخالفة لقواعد السير والمرور "حضورياً"، وفي بعض الحالات يضطر شرطي المرور أن يخالف سائقي المركبات المخالفين لقواعد السير والمرور "غيابياً" وعلى سبيل المثال لا الحصر حال عدم ربط حزام الامان، ويكون سبب تسجيل هذه المخالفة الغيابية عدم استطاعة شرطي المرور إيقاف السائق خلال قيادته في الطريق العام، وأيضاً لعدم عرقلة حركة السير والمرور بحق المركبات الأخرى، إلا أن القانون كفل لمتلقي المخالفة الاعتراض عليها باللجوء إلى محكمة السير والمرور في جميع إمارات الدولة، وفي هذه الحالة يتم استدعاء شرطي المرور الذي أصدر هذه المخالفة بحق السائق المعترض، وتتم المواجهة بينهما أمام نيابة محكمة المرور وبعد ذلك يقرر القاضي قانونية هذه المخالفة من عدمها .
وهناك الكثير من الحالات التي من خلالها ألغيت المخالفات المرورية الغيابية، وكانت هناك في السابق إشكالية عدم علم السائق المخالف غيابياً بالمخالفة إلا عند تجديد المركبة، إلا أن مع التطور الحاصل في جميع إدارات المرور بالدولة، وتطبيق الأنظمة الإلكترونية، يتلقى السائق رسالة نصية قصيرة من خلال الهاتف المحمول تفيد بارتكابه المخالفة وذلك خلال يوم أو يومين من ارتكابه للمخالفة .
ومن الضوابط المطلوبة تصوير السائق المخالف عند ارتكابه للمخالفة .
وهناك اقتراح بأن يتم إعطاء السائق المخالف مخالفة شفهية تنبيهيه ولتكن بطاقة صفراء قبل إصدار المخالفة، وتسجل في ملف السائق لكي نعلم أحقيته للمخالفة في المرة القادمة، طالما كانت هذه المخالفة غير خطرة ولا تؤثر في حركة السير والمرور .
صلاح الغول: روح القانون
قال العقيد د . صلاح الغول مدير مكتب ثقافة احترام القانون في مكتب وزير الداخلية: نتمنى من الجميع سواء رجال الشرطة الذين يحررون مخالفات ضد عدم الملتزمين، أو قائدي المركبات، الالتزام بالقوانين، من حيث تعامل الشرطة مع سائقي المركبات أو العكس، فالمفترض أن يتعامل رجل المرور مع المخالفين بروح القانون ولا يطبقه بحذافيره، في ضوء وقوفه على الظروف التي تقف وراء كل حالة مخالفة، فعليه مثالاً مراعاة الدوافع التي أدت للمخالفة من أن يكون قائد المركبة اضطر إلى المخالفة لكون زوجته المرافقة له على وشك الوضع، أو أن يكون طفله مريضاً، وغير ذلك .
وعلى سائقي المركبات التحلي بالانضباط، والالتزام بالقوانين المرورية، في ظل شبكات الطرق الجيدة والمتميزة في الدولة، حتى لا يتعرض أي منهم للمساءلة، فعلى الجميع احترام أنفسهم، لأن رجل الشرطة أولا وأخيرا يطبق القانون لحماية أفراد الجمهور، وليس للحد من حرياتهم، ويعمل على ضبط الشارع، والقوانين بشكل عام شرعت لحماية الناس، وحق الفرد بشكل عام ينتهي عند بداية حق الآخر، فيما يسير البعض على الطريق وكأنه يمتلكه!!
ومن جانب مكتب ثقافة القانون، فهناك محاضرات توعية ينظمها لرجال المرور، للتأكيد على أهمية التعامل الإيجابي الجيد مع سائقي المركبات، لا سيما وأنهم الأكثر احتكاكاً بأفراد المجتمع .