حينما تقترب بك طائرة الخطوط الإماراتية نحو مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية على شواطئ المحيط الأطلسي قادمةً من دبي مباشرةً، لا تملك إلا أن تسترجع ذكريات بلدٍ عريق، وتحث خطى المستكشفين البرتغاليين الذين عندما حطوا رحالهم للمرة الأولى في جنوب شرقي ساحل البرازيل عند خليج غوانابارا مطلع العام 1502 اعتقدوا خطأً أنه فم نهر كبير يصب في المحيط فأطلقوا على المدينة اسم ريو دي جانيرو «نهر يناير» على شرف الشهر الذي وصلوا فيه البلاد.
والواقع، يخيل للمرء أن سماء المدينة ملتصقة بالبحر بسبب الطبيعة الأخاذة والمتنوعة لريو المعروفة بمرتفعاتها التي تهدي لمن يصعد إليها مناظر خلابة أشبه بلوحة متكاملة المعالم. فالجبال العالية عند مدخل المدينة تنزلق انحداراً باتجاه المحيط، وتحمل في جوانبها الأشجار الباسقة وتعانق المياه الخضراء المنسابة بهدوء.
ابدأ رحلتك في ريو من الأماكن الأكثر شهرة وهي الشواطئ. تمتلك المدينة 72 شاطئاً يبلغ طولها مجتمعة 90 كيلومتراً وتستحق بحق لقب مدينة الألعاب المائية التي تكثر فيها مثل كرة القدم وكرة الطائرة الشاطئية.
كوباكابانا وإيبانيما
ويملك شاطئا كوباكابانا وإيبانيما سمعة عالمية طبّقت الأفاق، ومن الضروري زيارتهما للاستمتاع بالنكهة البرازيلية. وما يزيد من سهولة التعرف إليهما إمكانية الوصول إلى أحدهما إذا كنت في أي منهما سيراً على الأقدام في نحو 15 دقيقة، لتترك لنفسك متعة لمس الشمس والرمال والموسيقى والمناخ الخاص الذي لن تجده في أي بقعة أخرى.
ولكن إذا كنت من هواة الاستمتاع بمياه البحر فحسب، فإن شاطئ إيبانيما يتميز بالهدوء أكثر من كوباكابانا، لأنه أقل ازدحاماً ويرتاده في الأغلب سكان الحي الذي يحمل الاسم نفسه ويوصف بأنه من الأرقى في ريو ويضم محال لعلامات تجارية فاخرة. ولكن إذا كنت تريد أن تستمتع بتناول الشراب التقليدي للشعب البرازيلي والمعروف باسم «كابيرينها» عند الغسق وأنت تشاهد الشمس وهي تودع سكان المدينة، فإن لكوباكابانا سحراً لا يقاوم، والشاطئ البالغ طوله 5 كيلومترات هو المكان الأمثل لذلك.
وفي أي منهما، يمكنك أن تجد الكثير من المطاعم والحانات والمتاجر التي تبيع معدات السباحة والهدايا والمصنوعات المحلية رخيصة الثمن، ولن تخطئ عينك الذين أتوا للتريض وركوب الدراجة الهوائية في أجواء كرنفالية تشبه كرنفال المدينة الذي يقام في فبراير من كل عام وهو فصل الصيف في نصف الكرة الجنوبي، حيث تبقى ريو محظوظة بمناخها المعتدل نسبياً على مدار العام، على اعتبار أن الحرارة في الشتاء (والذي يصادف أشهر الصيف في شمال الكرة الأرضية) لا تنقص عن 15 درجة مئوية.
سوفيتيل وبيستانا
ويمتلئ كوباكابانا بالفنادق المتنوعة التي تناسب ميزانية المسافرين. وهناك فنادق عالمية فخمة مثل «سوفيتيل»، والذي يقع قرب حصنٍ قديم في أول الشاطئ ما يوفر له إطلالة مميزة وساحرة من شرفات الغرف، خاصةً أنه بالإمكان والحال كذلك رؤية كوباكابانا بأكمله ومن ورائه المحيط مترامي الأطراف. والفندق المكون من 388 غرفة منها 52 جناحاً مقسمة إلى ثمانية تصنيفات اختير في 2024 فندق العام، كما اختير في 2024 كأفضل 10 فنادق رجال الأعمال في العالم. ولا غرابة في ذلك، فهناك عشر صالات في مركز المعارض و11 غرفة مؤتمرات في مركز الأعمال مزودة بأحدث التجهيزات تشكل مجتمعة 21 قاعة تستوعب نحو ألفي مشارك، مع خدمات خاصة لرجال الأعمال تحت عنوان «سوفيتيل كلوب ميليزم» وهو طابق حصري لهم يقع في المستوى الثامن ويضم 66 غرفة.
ومن ضمن تلك الخدمات، مكان مخصص للفطور في نفس الطابق وخادم لـ24 ساعة ومكالمات داخلية مجانية وميني بار مجاني في الغرفة بلمسة فرنسية مع إمكانية تناول شاي الظهيرة والمأكولات الخفيفة في نفس الطابق مجاناً أيضاً.
ويمكن للنزيل حتى دعوة شخص يختاره للتمتع معه مجاناً بتلك الميزات. ويضم «سوفيتيل كوباكابانا» مطاعم تناسب كل الأذواق، وأهمها «بري كاتلان» الذي اختير في 2024 أفضل مطعم في فندق بالعالم، وفيه زاوية معزولة لكبار الشخصيات الذين يترددون على المطعم ومنهم نجم كرة القدم العالمي بيليه الذي يعتبره مطعمه المفضل.
كما يقدم الفندق للزوار خدمات الشاطئ التي تتراوح من توفير مستلزمات البحر إلى تأمين حراس وخدم شخصيين.
وكذلك، يضم شاطئ كوباكابانا فنادق عالمية أخرى مثل «بيستانا»، وهي مجموعة ضيافة برتغالية. ويحتوي «بيستانا ريو أتلانتيكا» على 247 غرفةً وجناحاً و17 قاعة اجتماعات ويقع في منتصف كوباكابانا تقريباً، ما يعطيه خاصية الإشراف على الشاطئ من الجهتين بشكلٍ متقارب، فيما يوفر السطح إطلالة بانورامية فريدة على المحيط الأطلسي وأنت تتناول المرطبات والمأكولات الخفيفة بينما تداعب نسائم المحيط وجهك. وللعائلة، يمنح الفندق إقامة مجانية لطفل تحت 12 عاماً.
وفي المنتجع الصحي بالفندق، يمكنك التمتع بالتدليك بالزيوت الأساسية أو ممارسة الرياضة في صالة حديثة والجاكوزي أو الاستلقاء تحت أشعة الشمس. وعليك أن تغتنم الفرصة لتذوق المأكولات البرتغالية الممتازة في مطعم «كايس داريبيرا».
فإذا كنت تأتي في رحلة عمل أو ترفيه، فإن «بيستانا» خصص لكل الأغراض، حيث تشعرك أروقته بديكورها الكلاسيكي والحديث في نفس الوقت أنك في حضرة التراث البرازيلي، وكل ذلك ضمن خدمة تضمن الخصوصية والرفاهية، بتأمين خدمة شاطئ للنزلاء بساعات محددة، إضافة إلى تنظيم جولات في المنطقة تضمن ذكريات لا تنسى للزوار.
ليبلون ولاغوا
وفي حال كنت تسعى باتجاه المزيد من الخصوصية والرفاهية، باستطاعتك التوجه إلى شاطئ ليبلون الذي يقع إلى جانب إيبانيما وكوباكابانا في ما يعرف بـ«المنطقة الجنوبية» من المدينة.
ويعتبر المتر المربع في حي ليبلون الأغلى في قارة أميركا الجنوبية. أما إن مللت الشواطئ المتناثرة حول المدينة، فلا بد من التوجه إلى حي قريب يدعى لاغوا وهو يحد ليبلون وإيبانيما وكوباكابانا، وسمي بذلك نسبة إلى البحيرة التي تقع فيه، ويشتهر بمساره الأنيق لممارسة الجري وركوب الدراجات بطول 7.5 كيلومترات.
والبحيرة متصلة بالمحيط الأطلسي من خلال قنال وتبلغ مساحتها 2.4 مليون متر مربع وستكون مسرحاً للعديد من الألعاب المائية في أولمبياد ريو الصيفي العام 2024، وهي مكان مثالي للاسترخاء والاستمتاع بتناول عصير من الفواكه الاستوائية من مقهى مجاور مع إشراقة شمس الصباح. ولا تنس زيارة المجمعات التجارية الضخمة في المدينة على الطراز الحديث بالعلامات التجارية الفاخرة وتلك البرازيلية المحلية التي تضاهي العالمية جودةً مثل مجمعي «باغا» و«ليبلون».
غابات ومرتفعات
وبعيداً عن المياه والصخب، تكمن فرادة ريو في أنها توفر للزائر فرصة الاستمتاع بالطبيعة الغناء وتدليل الحواس الخمس بالغابات التي تخترق قلب المدينة. فحديقة تجوكا الوطنية التي تمتد على مساحة 120 كيلومتراً مربعاً من الغابات حيث تتمركز المدينة الصاخبة، هي أكبر حديقة في العالم، وتم اعتبارها ثروة قومية يجب المحافظة عليها منذ العام 1857 بعد أن انضمت إلى مجموعة عجائب العالم الطبيعية.
وتحتوي الحديقة على العديد من معالم الجذب السياحي وأكثرها مدعاة للاستذكار بطبيعة الحال رمز مدينة ريو الأبرز تمثال المسيح بلونه الأبيض على قمة جبل كوركوفادو البالغ ارتفاعه 700 متراً. ويبلغ طول التمثال 38 متراً وتمتد ذراعيه على مساحة 28 متراً ووزنه 635 طناً.
وبالإمكان رؤيته مطلاً على المدينة من أي مكانٍ فيها، فيما استغرق بناؤه تسعة أعوام حتى 1931. وفي الليل، يضيء التمثال بطريقةٍ تشعر المرء وكأنه يحمي ريو التي ينظر إليها البعض على أنها مدينة غير آمنة وتنتشر فيها الجريمة والأحياء العشوائية. وإن كان انتشار العشوائيات أو ما تسمى «فافيلا» أمراً واقعاً، على الرغم من أنها باتت تتعايش جنباً إلى جنب مع الأحياء الراقية من دون مشكلات تذكر، فإن الحديث المتكرر في وسائل الإعلام الغربية عن انعدام الأمن في ريو مبالغ فيه إلى حدٍ كبير، حيث لا تختلف في هذا الصدد عن أي مدينة كبيرة أخرى في العالم مثل نيويورك أو باريس أو طوكيو.
وكذلك، لا تكتمل زيارة المدينة من دون المرور على الحديقة النباتية الملاصقة لحي لاغوا والقريبة من حديقة تجوكا الوطنية وتمثال المسيح المخلص وهي ميزة إضافية في المدينة التي تتلاصق معالمها بشكلٍ يسهل زيارتها جميعاً من دون عناء.
والحديقة النباتية تضم في جنباتها قرابة 6500 نوع من النباتات بعضها معرض للانقراض على مساحة 54 هكتاراً وأسست في 1808، ما يجعل منها قيمة تاريخية كبقية المعالم في ريو. كما تستضيف أنواع نادرة من الطيور والحيوانات الأخرى وهو الأمر الذي يشكل منها وجهة رائعة للعائلة، فضلاً عن كونها محمية من منظمة «اليونيسكو».
أما هواة الاستمتاع برؤية المدن من الأعلى، فتأخذهم ريو إلى قمة جبل «شوغرلوف» أو حرفياً «قالب السكر» الذي ينقسم إلى جبلين يتمركزان بين خليج غوانابارا وشاطئ كوباكابانا، على متن مصعد متحرك «تليفريك» يحمل السائح إلى قمة أوركا ليتمتع بمشهد المدينة قليلاً قبل الانطلاق على متن المصعد الثاني الذي يصل به إلى قمة «شوغرلوف» في الجانب الآخر من الجبلين، والذي ترتفع قمته نحو 400 متر عن سطح البحر.
وفي حين يقدر السائح أن يصل إلى القمة عبر طائرة هيلكوبتر مخصصة للزبائن المهمين في رحلة تعانق الشمس والبحر، فإن أفضل أوقات الزيارة هو غروب الشمس، حيث ترى خليج غوانابارا تحت قدميك وتنتشر اليخوت من بعيد كلآلئ بينما تتناول المثلجات أو العصائر الطازجة.
كرة و«تشوارسكو»
ومع أن في ريو استاد «ماراكانا» لكرة القدم بشهرته الواسعة، والذي سيستضيف عدة مباريات في كأس العالم، فإن البرازيل ليست كرة قدم وشواطئ وغابات وسامبا فحسب، بل تتميز أيضاً بمطبخها العريق الذي يسيل له اللعاب.
ويوجد الكثير من المطاعم التي تقدم الطعام على طريقة «تشوارسكو» التقليدية وهو أسلوب شواء من جنوب البرازيل، نشأ على أيدي السكان المحليين لهذه المنطقة منذ أعوام عدة. ومن أغرب التقاليد التي تصاحب عشاء «تشوارسكو» هو أنه يقدم لكل ضيف قطعتي خشب دائريتين ملونتين: واحدة حمراء والأخرى خضراء، حيث يشير الضيف بالقطعة الخضراء إلى أنه يريد أن يستمر في تقطيع اللحم، وبالقطعة الحمراء للتوقف عن التقطيع، حيث يقدم الأكل نادلون يسمون «باسادوريس» مباشرة من المشواة إلى الطاولة بنظام الأكل حتى الشبع.
ويرافق هذا الحدث موسيقى حية تراثية من البرازيل يزيدها حلاوة بوفيه متنوع من أشهى السلطات وأطباق الأرز والجبن وأصناف الطعام الشهية الأخرى ومنها الفواكه الاستوائية الغريبة.
وتجسد «تشوارسكو» لذة الشواء المتعارف عليها لدى رعاة البقر منذ القدم والمحمرة بالبهارات والتوابل التي تضيف مزيداً من الطعام اللذيذ وتؤكد أن البرازيليين ليسوا فقط لاعبي كرة ماهرين بل طهاة ماهرون أيضاً.
تودع ريو وأنت تعلم أنك ستعاود زيارتها. فسحر طبيعتها ودفء سكانها يترك فيك أثراً حقيقياً تراه ماثلاً للعيان وأنت تطالع التاريخ والحاضر والمستقبل بين جنبات شوارعها وشواطئها ومرتفعاتها.
نسبة
طبقاً لمعهد السياحة البرازيلي، فإن ريو دي جانيرو كانت الوجهة الأساسية في البرازيل العام 2024 للسائحين الأجانب الذين قصدوا البلاد للترفيه بنسبة تقارب ثلث الزائرين.
عودة
طبقاً لإحصائيات حكومية، أكد 70 في المئة من زوار ريو دي جانيرو أنهم سيعاودون زيارتها، ورشح 94 في المئة منهم المدينة لأقاربهم كوجهة سياحية مفضلة، خاصةً أن ريو تحتوي على أكثر من 500 وكالة سفر وسياحة.