يقول أحد الدعاة: كنت في رحلة دعوية إلى الحدود البرية بين دولتي السنغال وموريتانيا حيث يوجد عدد كبير من اللاجئين النازحين من موريتانيا.
كان الطريق وعراً موحشاً أصابنا فيه شدة وتعب قطعنا فيه المفازة بعد المفازة، ولا نرى أمامنا إلا أمواجاً من السراب، لا نصل إلى قرية من القرى المتناثرة هنا وهناك إلا ونجد من يحذرنا من قطَّاع الطرق ولصوص الصحراء.
ثم يسر الله لنا الوصول إلى مواقع اللاجئين وقد أسدل الليل ظلامه.. وجدت صاحبي قد أعدَّ لنا خيمة وضع فيها فراشاً بالياً هيأه لنومي.. ولكن ما أجمله من فراش بعد أن هدّ منا السفر ما هدّ، ألقيت بنفسي بشيء من الاعتزاز والفخر بل أحسست بالعجب والاستعلاء ! فمن الذي سبقني إلي هذا المكان ؟ ومن ذا الذي يصنع ما صنعت ؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يتحمل هذه المتاعب وما زال الشيطان ينفخ في قلبي حتى كدت أتيه كبراً وغروراً والعياذ بالله.. إلا أن الله رحمني فنامت عيني ورحت أغط في سبات عميق..
خرجنا في الصباح الباكر نتجول في أنحاء المنطقة حتى وصلنا إلى بئر يبعد حوالي كيلْواً واحداً عن منازل اللاجئين يرتوي منه الناس ويستقون.. فرأيت مجموعة من النساء يحملن على رؤوسهن قدور الماء ولفت انتباهي امرأة بيضاء من بين أولئك النسوة.. كنت أظنها بادي الرأي واحدة من نساء اللاجئين مصابة بالجذام المنتشر بين بعض الناس هناك لكني فوجئت بأنها منصرة شابة في الثلاثينيات من عمرها من أقاصي شمال أوربا من دولة النرويج.
قال لي مرافقي: منذ ستة أشهر وهي مع نسائنا تلبس لباسنا وتأكل طعامنا وترافقنا في أعمالنا، جاءت إلينا وهي تعرف لغتنا القبلية وبعض عادتنا، في بعض نهارها تداوي المرضى من النساء والأطفال ومعها صاحبتها تعلمهن الخياطة وبعض الأعمال اليدوية وفي أول الليل تجتمع مع بعض الفتيات يتجاذبن معها أطراف الحديث وتعلمهن قواعد القراءة والكتابة وقد خصصت لهن بعض الليالي لتعليم الرقص.
أحبها الناس كباراً وصغاراً لتواضعها وخدمتها التي لا تنقطع، فكم من يتيم مسحت رأسه، وكم من مريض داوت ألمه، عجبت والله أشد العجب من هذه المرأة، فما الذي دعاها على هذه القفار النائية وهي على ضلالها.. وما الذي دفعها لتترك حضارة أوربا ومروجها الخضراء.. وما الذي قوَّى عزمها على البقاء مع هؤلاء العجزة المحاويج وهي في قمة شبابها.
تسابقت هذه الأسئلة إلى خاطري، ثم تذكرت ما كنت أفكر فيه ليلتي السابقة لقد شعرت بالتعاظم والعجب لليلة واحدة قضيتها في هذا المكان، أما الآن وبعد ما رأيت هذه المنصرة تصاغرت نفسي وأحسست بمهانتي وضعفي، فهذه المنصرة المضللة تقدم هذا العمل بكل جلد وصبر وهي على الباطل وأما أنا فسرعان ما انتفشت لعمل يسير لا أدري أيكتب في الصالحين أم لا.
ولا أقول ذلك إعجابا بهذه المرأة أو أنها محل القدوة – عياذا بالله – لكنني أعجب كيف يصبر هؤلاء على نشر باطلهم ويعجز بعضنا أو تصيبه السآمة والملل منذ بداية الطريق، لقد هزني هذا الموقف هزاً عظيماً ورأيت كم يضحي هؤلاء الضلال لنشر ضلالهم.. وأيقنت بأننا معاشر الدعاة أحوج ما نكون إلى الإخلاص والاحتساب، أحوج ما نكون إلى البذل والتضحية وبقدر انتصارنا على أنفسنا وإحساسنا بمسؤوليتنا الدعوية فإن الله سيبارك في أعمالنا…
وقفة:-
– بلغ عدد المنصرين المحليين أربعة ملايين منصر.
– مجموع التبرعات لأعمال التنصير لسنة واحدة: مليار وأربع مئة وتسعة وثمانين مليون دولار.
– طُبع من الإنجيل اثنين مليار نسخة.
– وصل عدد محطات الإذاعة والتلفزيون أكثر من ثلاثة آلاف محطة تنصيرية.
– عدد المنظمات التنصيرية في العالم عشرون ألف وسبع مئة منظمة في مجال الخدمة ـ وثلاثة آلاف وثماني مئة وثمانون منظمة تبعث منصرين متخصصين في مجالات التنصير والإغاثة.
– يوجد في العالم ثماني وتسعون ألف وسبع مئة وعشرون معهداً تنصيريا.
– عدد المجلات بلغ ثلاثة وثلاثون ألف مجلة.
فكم جهودنا في نصرة الدين يا مسلمون ؟
من كتاب ( تجارب دعوية ناجحة ) بتصرف.
يا له من دين
جزاك الله خيراً