عصام الزامل
خلال أقل من أربعة أشهر انخفضت أسعار النفط أكثر من 25%. فبعد أن كان سعر برميل النفط 115 دولار في شهر يونيو انخفض لأقل من 85 دولار في شهر أكتوبر.
ذهبت التفسيرات لهذا الانخفاض في اتجاهين رئيسين، البعض أرجع هذا الانخفاض لأسباب اقتصادية بحتة والبعض الآخر فسر هذا الانخفاض بأنه متعمد، لأسباب سياسية بهدف إضعاف اقتصاد بعض الدول.
من الصعب جدا أن يثبت أي محلل بشكل قطعي وجود أسباب سياسية خلف الانخفاضات الأخيرة لأسعار النفط، في المقابل فهناك مؤشرات اقتصادية واضحة وكافية لتفسير انخفاض الأسعار، يأتي على رأسها تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي للفترة القادمة، فضعف النمو للاقتصاد العالمي سيعني انخفاض النمو في الطلب على النفط، حيث توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط لهذه السنة بمعدل 700 ألف برميل يوميا، بانخفاض 200 ألف برميل عن توقعها السابق.
بالتوازي مع انخفاض الطلب، كانت هناك زيادات كبيرة في المعروض، حيث ارتفع معروض النفط لهذه السنة مقارنة بالسنة الماضية بحوالي 2 مليون برميل، جزء كبير من هذه الزيادة جاء من خارج منظمة أوبك وبالتحديد من أمريكا، حيث تجاوز انتاجها من النفط 8.8 مليون برميل في سبتمبر بزيادة 13% عن العام الماضي، وبأجمالي زيادة بأكثر من 50% للثلاث سنوات الماضية، والفضل بهذه الزيادة يعود لتزايد انتاج النفط الصخري.
كما كانت هناك زيادات في الإنتاج حتى بين بعض دول أوبك، حيث ارتفع الإنتاج الليبي خلال هذه السنة من 200 ألف برميل إلى 900 ألف.
العوامل الاقتصادية السابقة كافية لتفسير الانخفاض في أسعار النفط، ولكن هل سيستمر هذا الانخفاض أم أن الأسعار وصلت لحدها الأدنى؟ من يعتقد أنها وصلت لحدها الأدنى يشير إلى ارتفاع تكلفة انتاج النفط الصخري، وأن مستويات أقل من الأسعار الحالية ستعني تباطؤ الاستثمار في حقول جديدة لهذا النفط عالي التكلفة.
ولكن الحقائق بخصوص انتاج النفط الصخري تتغير بشكل متسارع وسنوي، فتقنيات الإنتاج تطورت بشكل ملحوظ خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث ارتفعت نسبة الإنتاج في بعض تلك الحقول بفضل التقنيات الجديدة بأكثر من 300%، كما أن التوسع في الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالنقل والتخزين رفعت من جدوى الاستثمار، وحسب دراسة لوكالة الطاقة الدولية فإن أقل من 4% من انتاج النفط الصخري في أمريكا يحتاج أسعارا فوق 80 دولار، وتشير تقديرات أخرى أن انتاج النفط الصخري في أمريكا لن يتأثر على المدى المتوسط ما دامت الأسعار فوق 70 دولار.
وهذا الرقم مرشح للانخفاض مع تطور تقنيات الإنتاج. يبدو أن النفط الصخري في أمريكا مثل المارد الذي خرج من قمقمه وليس له نية أن يعود، وسيستمر تأثيره وضغطه على الأسعار خلال السنوات القادمة.
انخفاض الطلب بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع المعروض بسبب عودة الإنتاج لبعض الدول وارتفاع الإنتاج في أمريكا، كلها عوامل كافية لخفض الأسعار، ولا يبدو أن التفسيرات السياسية قادرة على الصمود أمام كل تلك العوامل الاقتصادية.
من الراجح أن نشهد استمرارا لانخفاض الأسعار، ولكن من المستبعد أن تنخفض الأسعار لأقل من 70 دولار في المدى القصير.